السكة الحديد.. المشكلة أكبر من الإقالات

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 21 أبريل 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

قرار إقالة رئيس هيئة السكة الحديد، ونقل وتغيير عشر قيادات بالهيئة جيد، لكنه لن يحل مشكلة حوادث القطارات المتكررة.
مجرد نظرة بسيطة على ما حدث فى السنوات الماضية كفيل بإثبات وجهة نظرى.
فى كل حادث قطار بسيط، كان يتم تغيير قيادات فى السكة الحديد، دون أن يصل الأمر إلى إقالة رئيس الهيئة، وعندما يكون الحادث متوسطا يتم إقالة رئيس الهيئة، أما إذا كان ضخما وعدد الضحايا كبيرا، فيتم تغيير الوزير.
أعتقد أن غالبية وزراء النقل تم إقالتهم فى السنوات العشرين الماضية بعد كل حادث قطار كبير، ولم ينجو منهم ربما إلا عدد قليل جدا، رغم أن بعضهم كان له إنجازات واضحة، لكن سوء حظه كان كبيرا.
السؤال هل تغيير المسئولين بالهيئة أو رئيسها أو وزير النقل تحل المشكلة؟. الإجابة هى لا.
هل معنى كلامى ألا يتم التغيير أو الإقالة ويستمر المسئولون على رأس عملهم رغم كل هذه الكوارث؟!
الإجابة هى لا. بل العقاب مهم ومطلوب حتى يكون هناك محاسبة وردع، وحتى يشعر المسئول أنه سوف يدفع ثمنا، بسبب الإهمال أو التسبب أو حتى بمنطق المسئولية التضامنية.
فى بعض الأحيان يكون هدف الإقالة والتغيير، امتصاص غضب الرأى العام بعد كل حادث قطار، خصوصا إذا كان كبيرا. وهو أمر مهم أيضا لأنه يحمل تقديرا للرأى العام.
لكن ما أقصده من كلامى أنه وطالما أن الإقالات والتغييرات والتنقلات وحدها لا تحل المشكلة، فدعونا نحاول الوصول إلى جذور هذه المعضلة، التى تجعل الحوادث تقع من دون الاستفادة من تكرار الحوادث.
قبل أيام صدر تقرير النيابة العامة فى حادث تصادم قطارى سوهاج الذى وقع يوم الجمعة 26 مارس الماضى، وأدى إلى مصرع أكثر من عشرين شخصا وإصابة المئات، وخلف رد فعل محليا وعربيا، بل ودوليا؛ حيث كان هذا الخبر فى مقدمة نشرات الأخبار فى العديد من الفضائيات الدولية.
يومها علقت على تقرير النيابة وقلت فى هذا المكان أنه يكشف عن أن المشكلة ليست محصورة فقط فى سائق مستهتر، أو مساعد كسول، أو عامل يتعاطى المخدرات أو موظف مزور، ولكن المشكلة أن تقرير النيابة كشف لنا بوضوح أن منظومة العمل بكاملها داخل مرفق السكة الحديد تحتاج للنسف والتغيير، وإننا بحاجة إلى بناء ثقافة عمل جديدة بالكامل.
فى حوادث القطارات الماضية تم محاكمة العديد من كبار وصغار الموظفين بهيئة السكة الحديد، ومعهم السائقون والملاحظون والمراقبون، وتوقيع عقوبات متنوعة ضدهم من أول الخصومات المالية وعدم الترقيات نهاية بالسجن، لكن كل ذلك لم يمنع وقوع الحوادث، لأننا وحسب ظنى كنا نحاول علاج فروع المشكلة وليس جذورها.
جذور المشكلة تتمثل فى محورين أساسيين، الأول هو نقص الموارد المالية، الأمر الذى أدى إلى تهالك وقدم الجرارات والعربات والقضبان ومنظومة الإشارات والمزلقانات. وللأمانة، فإن الحكومة وخلال الأعوام القليلة الماضية، بدأت تستثمر جيدا فى هذا الأمر، وطبقا لأرقامها فإنها ضخت أو ستضخ ٢٠٠ مليار جنيه لتطوير هذا المرفق.
المحور الثانى والرئيسى أنه لم يتم تطوير وتأهيل العناصر البشرية فى السكة الحديد، رغم الإعلان الدائم عن وجود تدريبات مستمرة لهم. وكل من تابع الحوادث الأخيرة سيكتشف أن العناصر البشرية كانت السبب الرئيسى فى معظم الحوادث. ومن تقرير النيابة فى حادث سوهاج سوف نكتشف أخطاء قاتلة وقع فيها السائقون والمساعدون والموظفون منها الكذب والتزوير والإهمال وإدمان المخدرات وترك مكان العمل.
هذا المحور شديد الأهمية مثله مثل الجرار الحديث أو الإشارات المميكنة. دعونا نركز عليه حتى يكون الإصلاح كاملا، وحتى لا تتكرر الحوادث.
وألفت نظركم أنه وفى حادث قطار الشرقية القطار رقم 339 ركاب (القاهرة ــ بنها ــ الزقازيق ــ المنصورة)، بمنطقة التجديدات بحوش محطة منيا القمح، والذى وقع بعد حادث قطارى سوهاج بـ 18 يوما فقط، تكررت نفس الأخطاء القاتلة، طبقا لتقرير النيابة أيضا، وهو ما يدل على أن المشكلة أكبر مما نتخيل، وهذا موضوع يستحق النقاش المفصل لاحقا إن شاء الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved