ما هكذا تكون (الرعاية)

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 21 مايو 2009 - 9:13 ص بتوقيت القاهرة

 يظل اللواء عمر سليمان أحد الشخصيات القليلة التى تحظى بالثقة والاحترام بين المتربعين على قمة هرم السلطة فى مصر. وهذه المواصفات تجعلنا نزن كلامه بميزان مختلف عن غيره من المسئولين. خصوصا أولئك الذين يتحدثون فى الشأن الفلسطينى ويسىء كلامهم إلى مصر إساءة بالغة، بحيث أصبحوا ينتقصون من رصيدها كلما تطرقوا إلى الموضوع. حتى غدوا نموذجا لذلك الذى أراد أن «يكحلها» فأعماها.

لأن الرجل من جنس آخر ومقام آخر، فقد استغربت ما نشرته جريدة الأهرام على لسانه يوم الاثنين 18/5 من أنه لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار أو فك الحصار أو التهدئة أو تحريك عملية السلام فى المنطقة دون التوصل إلى اتفاق ينهى الانقسام فى الساحة الفلسطينية. وهو كلام حمل الانقسام بالمسئولية عن كل العناوين بالملفات المتعثرة فى الملف الفلسطينى. كأنما كان كل شىء سائرا على ما يرام خصوصا فى مسيرة العملية السلمية منذ توقيع اتفاق أوسلو فى سنة 1993، ولكن الانقسام الذى حدث فى عام 2007 أوقف المراكب السائرة وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء، بحيث تراجعت كل «الإنجازات» التى تحققت بين عامى 93 و2007. وهو ما لا يصدقه عقل ولا تؤيده شواهد الواقع، ولا يقول به حتى أبومازن ذاته.

لا أريد أن أهون من شأن الانقسام، لكننا لا ينبغى أن نهول من شأنه أيضا. ولا ينبغى أن نحوله إلى مشجب نعلق عليه كل الإخفاقات التى حدثت أو العقبات التى وضعت أمام التسوية المرجوة.

إننى أفهم أن تتذرع السلطات الإسرائيلية بالانقسام لكى تستمر فى الحصار وتمنع الإعمار وتسوّف فى مفاوضات السلام، باعتبار أنها لا تريد أن تفوت فرصة وتتعلق بأى ذريعة لكى تواصل الضغط على الفلسطينيين لإذلالهم وإجبارهم فى غزة على الرضوخ لشروط الرباعية الدولية، فى الوقت الذى تواصل فيه من جانبها توسيع المستوطنات وإكمال السور العازل وتهويد القدس وطرد الفلسطينيين منها بعد تدمير بيوتهم.

أفهم من رجل فى حصافة اللواء سليمان أن يقول إن الاحتلال هو المشكلة، وإن مواقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة تضاعف من تعقيد أى تقدم مرجو. وإن الانقسام يضر بوحدة الصف الفلسطينى حقا، لكن هناك أمورا يمكن أن تنجز حتى مع استمراره. فقد ظلت المفاوضات مستمرة فى ظل ذلك الانقسام طوال السنتين الأخيرتين، بين أبومازن وجماعته وبين الحكومة الإسرائيلية السابقة، وقرأنا أن خمسين اجتماعا عقدت بين أحمد قريع رئيس الوفد المفاوض وبين تسيبى ليفنى وزيرة الخارجية السابقة، لكن تلك الاجتماعات لم تسفر عن شىء. فلا حركت حاجزا ولا أطلقت أسيرا، ولكنها ظلت ستارا يخفى التوسعات الإسرائيلية على الأرض. إلى جانب ذلك فالتهدئة التى قصد بها وقف إطلاق الصواريخ من غزة تمت فى ظل الانقسام، وتجددت عمليا بعد ذلك والانقسام لايزال مستمرا.

أما ما كان مثيرا للدهشة فى كلام السيد عمر سليمان فهو قوله أيضا إنه لا يمكن فى ظل أن يكون هناك أيضا حديث عن إعادة الإعمار وفك الحصار. وهو كلام يمكن توقعه من الأطراف الأخرى ذات المصلحة فى استمرار الدمار وتجويع سكان القطاع. لكنه لم يكن متوقعا من رئيس المخابرات العامة الذى كان ينبغى أن يعلن عن أن إعادة الإعمار لا ينبغى أن تؤجل لأى سبب. بعد التدمير الوحشى الذى تعرض له القطاع وأدى إلى تشريد ربع مليون فلسطينى فى القطاع. وهو خير من يعلم أن ثمة اقتراحا مسكوتا عليه بتشكيل جهة محايدة تتبع الجامعة العربية أو أى مؤسسة دولية تتولى الإشراف على الإعمار. ولكن حكومة رام الله ترفضه لكى تواصل ابتزاز حكومة غزة ولى ذراعها. ولست أشك فى أنه يعرف كذلك أن الحصار فرضته إسرائيل على القطاع بعد حسم الأوضاع فى غزة. وأرادت بذلك عدة أمور أولها تأديب القطاع ومعاقبته لأنه صوّت لحركة حماس فى الانتخابات. وثانيها إخضاع حكومة غزة وإجبارها على الاعتراف بإسرائيل. وثالثها الانتصار لحكومة أبومازن فى رام الله. ورابعها الضغط على أهالى القطاع للثورة ضد حكومة إسماعيل هنية أو على الأقل عدم التصويت لها فى أى انتخابات قادمة.

إذا كان ما نشر على لسان السيد عمر سليمان دقيقا، فأخشى أن يحمل كلامه باعتباره انحيازا إلى موقف الأطراف الأخرى وإسهاما فى ابتزاز حكومة القطاع وإرغامها على الخضوع للرغبات الإسرائيلية التى تبنتها الرباعية الدولية. وهو ما يسحب من رصيده كطرف نزيه يفترض أنه راعٍ للحوار وليس خصما فيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved