حديث مؤسسة الرئاسة
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 21 مايو 2014 - 4:45 ص
بتوقيت القاهرة
وهو يتأهب لدخول قصر الاتحادية رئيسا منتخبا فإن الطريقة التى يمارس بها مهامه الدستورية تستولى على اهتماماته.
أمامه ثلاث طرق للتفكير ولكل طريقة سجل وتاريخ وعواقب.
الأولى احتذاء نظرية الفريق الرئاسى التى شاعت على نطاق واسع أثناء انتخابات (٢٠١٢) وهى مستبعدة.
النظرية نفسها ملتبسة ووعودها بشراكة السلطة أقرب إلى المناورات الانتخابية التى تعمل على تحسين حظوظ أصحابها فى صناديق الاقتراع دون أن تكون جادة وحقيقية.
ومع ذلك فإن حداثة التجربة المصرية أفسحت المجال لخلط أوراق فادح بين مثاليات تطلب أوسع مشاركة سياسية فى صناعة القرار وانتهازيات تستخدم الفكرة لجنى الأرباح دون استحقاقات تلزم.
هذه المرة غابت أحاديث الفريق الرئاسى فى الفضاء الانتخابى ولم يتطرق إليها أحد، فالتجربة على عهد الرئيس السابق «محمد مرسى» مشوهة ورادعة.
قبل أن يصعد إلى الرئاسة تبارى مع مرشحين آخرين فى تبنى فكرة الفريق الرئاسى وأفرط كما أفرط غيره فى أحاديث شراكة السلطة غير أن تجربته ناقضت التزاماته.
توسع فى تعيين عشرات المساعدين والمستشارين دون أن يسند لأى منهم صلاحيات معروفة أو مهام محددة.
فى التخمة الزائدة تأكدت شكلية الفريق، فلا قضية تطرح عليه ولا رأى يستشار فيه.
باستثناء اجتماعات محدودة فإن أحدا منهم لم يكن يعرف لنفسه دورا. مساعدو الرئيس همشت أدوارهم ومستشاروه أبعدوا تماما إلى مكاتب خارج القصر الجمهورى وفى النهاية أفضت التجربة إلى استقالات شبه جماعية.
فى الوقت نفسه فإن فريقا آخر شبه معلن تمركز فى «الاتحادية» وأسندت إليه الصلاحيات والمهمات. لكل وزارة مجموعة عمل تنظيمية تتابعها تتصل بجهاز الدولة البيروقراطى من خلف الوزير المختص وتطلب الولاء للجماعة مقابل البقاء فى المناصب العليا.
نقلت وثائق ومستندات الدولة إلى قيادات الجماعة والتقارير السيادية سربت لجهات إقليمية ودولية.
انهارت مؤسسة الرئاسة كما لم يحدث فى تاريخها كله وبدت أقرب إلى الأسواق الريفية صخبا وضجيجا.
تحت وطأة التجربة المريرة تقوضت جاذبية أحاديث الفريق الرئاسى غير أنها أعادت إنتاج نفسها بصورة أكثر انضباطا وقلقا.
لا يتحدث أحد الآن عن محاصصة سياسية فى مواقع صنع القرار الرئاسى أو شراكة محتملة من أطراف غير منتخبة بقدر ما يتحدث عن طبيعة الوجوه المحتمل أن تصعد بجوار الرئيس.
هناك شىء من الترقب لطبيعة الاختيارات ومستويات الكفاءة وما إذا كانت الوجوه القديمة سوف تعود.
بمعنى أوضح فإن هناك قلقا عاما من إعادة إنتاج النظام الأسبق.
التحدى الأخطر للقادم الجديد أن يثبت بالوجوه التى يختارها والسياسات التى يعتمدها أن هناك عهدا جديدا يقطع صلته بالماضى.
وهناك قطيعة أخرى تتطلبها تحدياته الجديدة فى طريقة إدارة مؤسسة الرئاسة نفسها.
مع استبعاد عشوائية تجربة «مرسى» فإن هناك طريقة تفكير ثانية فى إدارة المهام الرئاسية تعود إلى تجربتى الرئيسين الأسبقين «أنور السادات» و«حسنى مبارك» لا تولى عناية كبيرة بالتنظيم الداخلى ومستويات الكفاءة.
«السادات» نظر إلى نفسه كـ«آخر الفراعنة» وأن ما يصدر عنه هو إلهام لا يتوافر لغيره دون حاجة إلى دراسات تساعده وتقديرات موقف قبل اتخاذ قراراته.
لم يكن معنيا بقراءة التقارير والأوراق التى تقدم إليه خشية أن تفضى همومها إلى الموت المبكر كما جرى لـ«عبدالناصر» بحسب نص كلامه.
و«مبارك» لم تكن ثقافته العامة تؤهله للإلمام بمحتوى أية تقارير باستثناء الأمنية، فهو رجل أمن بامتياز.
على مدى نحو أربعين عاما متصلة تدهورت بالتدريج مستويات التنظيم والكفاءة فى رئاسة الجمهورية غير أن ذاكرتها حافظت على تقاليدها إلى أن أجهزت عليها تجربة «مرسى».
ومما يحسب لتجربة الرئيس المؤقت المستشار «عدلى منصور» أن مؤسسة الرئاسة استعادت احتراما افتقدته لحقب طالت غير أن تنظيم المؤسسة ورفع مستوى كفاءتها قضية أخرى تطرح نفسها على الرئيس القادم.
أمامه طريقة ثالثة فى التفكير تستلهم تجربة «جمال عبدالناصر» فى تنظيم رئاسة الجمهورية.
الاستلهام غير الاستنساخ والتحديات الجديدة تفرض حقائقها والدستور يستوجب أن يتسق التنظيم مع المهام.
فى تجربة «عبدالناصر» تأكدت قوة المؤسسة من سلامة تنظيمها الداخلى ووضوح الأهداف والمهام وقبله غاب حديث المؤسسات فالسلطة الحقيقية تلخصت فى مجلس قيادة الثورة وأدوار الرئيس الأول «محمد نجيب» لم تكن الأكثر جوهرية.
صممت مؤسسة الرئاسة وفق السياسات العامة وأولوياتها.
على سبيل المثال كانت هناك لجنة للشئون العربية للوفاء بمتطلبات الدور المصرى فى الإقليم وقد كان على رأس أولويات التجربة الناصرية.
تولى رئاستها «فتحى الديب» وتابعت كوادرها إدارة أوسع عملية تغيير فى العالم العربى بالخمسينيات والستينيات.
كان ظهور رئيسها فى مطار بيروت إشارة إلى المراكز الدولية الرئيسية بأن زلزالا سياسيا جديدا يوشك أن يضرب المشرق العربى على ما كان يقال وقتها.
لم يكن وجهه مألوفا فى بلده لكنه دوره كان استثنائيا فى تاريخها. هو صاحب فكرة إذاعة «صوت العرب» وصديق مؤسسها «أحمد سعيد» ودوره كان محوريا فى تسليح ودعم الثورة الجزائرية سياسيا وإعلاميا وربطته صداقة أخرى مع «أحمد بن بيللا» أبرز زعمائها استمرت حتى نهاية عمريهما.
وكانت هناك لجنة للشئون الإفريقية ترأسها «محمد فائق» لعبت دورا تاريخيا حاسما فى تحرير القارة وتوافرت لها كوادر شابة على أعلى مستوى من الكفاءة والخبرة بالإضافة إلى لجان أخرى على ذات المستوى من المهنية الرفيعة كاللجنة الاقتصادية التى ضمت ألمع المفكرين الاقتصاديين الشبان مثل الدكتور «إسماعيل صبرى عبدالله».
لم تكن اللجان الرئاسية المتخصصة تعمل تحت أضواء الإعلام ولا كوادرها معروفة للرأى العام لكنها عملت بدأب وفق مشروع تعتقد فيه ودرست بتمهل وعلم قبل عرض أوراقها على رئيس الجمهورية.
المشروع الوطنى هو أساس جذب الكفاءات والمواهب وتجديد الدماء فى شرايين الدولة الهرمة.. والمشروعات الوطنية ليست موضوعات فى الإنشاء السياسى أو قفزا إلى المجهول الاقتصادى بلا دراسات جدوى فتهدر الأموال والفرص والمستقبل معا.
فكرة التنظيم الكفء وفق التحديات الجديدة ملهمة لأى رئيس قادم يطلب الإنقاذ لبلده.
بحسب معلومات مؤكدة فإن المرشح الرئاسى الأوفر حظا بدأ مشاوراته ومعضلته البحث عن أسماء جديدة وكفؤة فى سن شابة نسبيا.
أخطر منزلقاته أن يتملكه اعتقاد بأن البلد خلت من الكفاءات. فهناك خبراء مصريون على درجة عالية من الكفاءة والمهنية جرى تهميشهم وخبراء مصريون آخرون يعملون فى الخارج لا يعرفهم أحد حصلوا على مستويات تعليم متقدمة وتوافرت لديهم خبرات تحتاجها بلادهم بشرط أن تعرف أولا ماذا تريد منهم وما الذى تطلبه لنفسها.
حديث المؤسسة هو حديث الإنقاذ الممكن والنجاح المحتمل وغيره رهان على المجهول.