ماذا فعل الرئيس فى العام الثانى؟

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 21 مايو 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

فى مقال بعنوان «مصر فى العام الثانى من حكم السيسى»، والمنشور فى جريدة الشروق بتاريخ ٧ يونيو ٢٠١٥، طرحت ثمانية أسئلة رأيت أن الإجابة عليها ستشكل معالم حكم العام الثانى لرئيس الجمهورية. أعود اليوم لمراجعة إجابات هذه الأسئلة للتعرف بشكل أكثر وضوحا عن تلك المعالم.

أولا: لم يعتمد الرئيس بعد، ولا يبدو أنه سيفعل فى الأجل القريب، على حزب سياسى للحكم. للعام الثانى على التوالى وبعكس الفترة من ١٩٥٣ وحتى ٢٠١٣ استمرت مصر بلا أحزاب تقريبا، لا يوجد حزب حاكم مسيطر على تعددية مقيدة، ولا حزب واحد لا يعترف بغيره، ولا تعددية حزبية قطعا! كل الأحزاب السياسية شبه مجمدة بواسطة نظام الحكم الذى يحاصرها بأدوات متعددة، دون وجود أى ذراع سياسية للحكم أو السيطرة أو فرض قواعد اللعبة السياسية، لا حزب ولا لعبة ولا قواعد، من الرئيس وأجهزة الأمن والمعلومات إلى الشعب رأسا!

ثانيا: كما كان الوضع فى العام الأول حيث غاب العقل السياسى عن القصر، فإن العام الثانى أيضا شهد تغييبا تاما لأى عقلية سياسية داخل أروقة الحكم. مصر مازالت تحكم بالأمن، بالعمليات الحسابية الجامدة، لكن بلا سياسة لا على مستوى صنع القرارات ولا على مستوى الاستشارات السياسية. كثيرون حاولوا لعب دور المستشار السياسى وغازلوا القصر يمينا ويسارا وأحيانا بأساليب مهينة، لكن كل ذلك لم يشفع لأحد أن يتبوأ أى منصب تنفيذى أو استشارى داخل القصر! من عقل الرئيس إلى الشارع رأسا!

ثالثا: أخيرا شهد العام الثانى من حكم الرئيس ميلاد أول مجلس تشريعى بعد الثلاثين من يونيو بعد تأجيلات وتسويفات عدة! برلمان بلا ملامح، ولا سلطات حقيقية يتمكن بها من ضبط العلاقة، فضلا عن رقابة، السلطة التنفيذية! برلمان مفتت، وليس به لا أغلبية ولا أقلية ولا ائتلاف حاكم أو معارض! تشريعات بلا رقابة وبلا دراسة ولا عملية تشريعية حقيقية تمثيلية للشعب! لا مفاوضات أو مساومات أو تحالفات أو حتى صراعات مؤسسية! ضجيج أفراد يتصارعون بالتصريحات أحيانا وبالغمز واللمز فى أحايين أخرى، وبالأحذية متصنعين بطولات وهمية فى بعض الأحيان الأخرى! البرلمان ليس إلا حامل لأختام السلطة التنفيذية ومنفذ لإرادتها ولإرادة الرئيس، وهو نتاج نظام انتخابى متحيز ومعاد للتعددية، فضلا عن عملية انتخابية افتقدت الحيدة وفى أحايين كثيرة افتقرت لأبسط معانى النزاهة!

رابعا: لم يشهد العام الثانى أى تهدئة سياسية مع الشارع أو الشباب أو التيارات المعارضة! على العكس من ذلك، فقد دخل النظام فى أزمات جديدة مع الشباب دافعا بمئات آخرين إلى السجون على خلفية التظاهرات المعترضة على التنازل عن جزيرتى «تيران وصنافير» للمملكة السعودية، كما دخل نظام الحكم فى تصادمات مع نقابتى الأطباء والصحفيين، ومن قبلهم مع بعض أمناء الشرطة وبعض موظفى الدولة! رغم استماتة البعض للإيحاء بأن «الرئيس لا يعرف»، لكن تؤكد كل تصريحات الأخير أنه يعرف ويبارك ما يحدث باعتباره فرضا للمنطق المهيمن على أروقة الحكم فى مصر، وتمسكا بهيبة وسيادة الدولة!

خامسا: تحولت المعادلة الصفرية بين النظام وجماعة الإخوان إلى مزيد من التدهور والصراع فى ظل انتصار لأجهزة الدولة، على الأقل حتى الآن، فى الضغط على الجماعة بكل الكروت الأمنية والسياسية الممكنة للدرجة التى أصبحنا فيها أمام جماعتين تدعى كل منهما الشرعية! وهكذا تحول الصراع ضد الدولة حول شرعية الرئيس الأسبق محمد مرسى إلى صراع حول شرعية الحكم ذاتها داخل الجماعة! بالإضافة إلى مسألة الشرعية داخل الجماعة، فإن هذا الصراع طال خلافات أخرى مثل اللجوء إلى العنف كاستراتيجية للجماعة، ويبدو بوضوح أن هناك قطاعا كبيرا داخل الإخوان يتبنى الخيار العنيف منذ تدشين ما عرف بنداء الكنانة العام الماضى ولم يخف هذا الجناح تأييده للمنهج العنيف للرد على« العدوان» بحسب تصريحاتهم.

***

سادسا: مازالت الأوضاع الاقتصادية خانقة فى ظل ارتفاع محسوس بأسعار السلع الأساسية، ولا حاجة لذكر أسعار السلع الكمالية وخصوصا فى ظل ارتفاع كبير فى سعر صرف الدولار وتعثر المشروعات القومية الكبرى، فضلا عن عدم وجود مردود إيجابى للمؤتمر الاقتصادى الذى كان قد تم الإعلان عنه فى مارس ٢٠١٥! وفى مقابل ذلك كانت هناك تغيرات إيجابية فى مجال الطاقة والكهرباء، فقد شهد العام الثانى وبشهادة كثيرين تحسنا فى خدمات الكهرباء، وكذلك تطورا ملحوظا فى شبكة الطرق والمواصلات.

سابعا: على عكس العام الأول من حكم السيسى، فإن العام الثانى أعاد التيارات المدنية إلى المشهد مرة أخرى بعد غياب طويل، تمثل ذلك فى دعم حراك نقابتى الأطباء والصحفيين، فضلا عن الحشد لتظاهرات ١٥ و٢٥ أبريل. لعل النقابات هى الأبرز فى العام الثانى، فبعكس الأحزاب السياسية المحاصرة والحركات الاجتماعية أو الثورية الغائبة، فإن النقابات تمكنت من انتزاع قدر من السياسة لتجبر أجهزة الدولة على الدخول فى مفاوضات أو على الأقل تفاهمات! صحيح أن أجهزة الدولة تمكنت حتى الآن من قلب الطاولة التفاوضية على المتفاوضين وعاودت محاصرتهم مرة أخرى، لكن تظل رمزية العمل السياسى النقابى لها دلالة على مستقبل النظام الحاكم ما لم يخفف الضغوط ويتبنى مناهج سياسية إصلاحية قريبا.

بعيدا عن النقابات وحراكها المحدود المقيد، فإن باقى القوى السياسية المعارضة لم تتمكن بعد من تغيير المعادلة، الخطابات نفسها، والأخطاء نفسها والعقليات نفسها والوجوه نفسها والتبريرات نفسها، كما أن البعض منهم لا يبدو أنه مختلف كثيرا عن عقلية النظام من حيث غلبة العوامل الشخصية على الاعتبارات المؤسسية، وافتقاد أدنى معانى المسئولية والحوكمة، وغلبة العقلية الشمولية غير القابلة للتعددية، فضلا عن فيضان ساذج من المشاعر يفتقد إلى أى رؤية واقعية لأبجديات السياسة أو لترشيد التضحيات ولهذا حديث آخر نعود إليه قريبا.

***

ثامنا: تغيرت قليلا المعادلات الإقليمية والدولية، فمن ناحية هناك إدراك لدى الدول الكبرى اللاعبة فى المنطقة أن محاربة داعش والقضاء عليها مضيعة للوقت والجهد، ومن ثم خفت الطلب على مصر حتى تقوم بهذا الدور بالوكالة، وتمكنت الدول الكبرى من إيجاد قدر من التفاهمات بخصوص الملف السورى مؤخرا! ومن ناحية أخرى تعرضت علاقات مصر بالداعمين الأوروبيين لبعض التوتر خلال هذا العام على خلفية تداعيات مقتل الطالب الإيطالى ريجينى وتهديد البرلمان الأوروبى بفرض عقوبات على مصر واستدعاء السفير الإيطالى فى القاهرة للتشاور، فضلا عن التوتر مع باقى الدول الأوروبية على هامش أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة بلا توقف فى مصر! ورغم ذلك فمازال حلفاء مثل فرنسا وألمانيا قادرين على تنفيذ صفقات عسكرية وأخرى متعلقة بمجال الطاقة ويبدو أنهم داعمون حتى الآن للموقف المصرى رغم الانتقادات المغلفة لملف مصر الحقوقى.

أما على الصعيد الخليجى فمازالت علاقات مصر بدول الخليج العربى مميزة للغاية، وخاصة فى ظل التفاهمات الأخيرة بين الجانب المصرى والجانب السعودى والتى يبدو أن لها علاقة بترتيبات إقليمية أوسع يتم الإعداد لها بخصوص العلاقات مع إسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية، وهنا يلعب السيسى بذكاء دور عبدالناصر فى الداخل مستدعيا صورة البطل الذى يحارب «العدو الصهيونى»، بينما تتصدر للخارج صورة السادات المغامر غير العابئ بردود الفعل الداخلية أو الإقليمية على علاقات دافئة مع الجانب الإسرائيلى، لم تضح ملامحها بعد!

***

فى المقال المذكور أعلاه كنت قد وضعت أربعة احتمالات للعام الثانى من حكم الرئيس ورجحت إما احتمال الانفراجة النسبية مع تغيير الأشخاص لا السياسات، أو سيناريو استمرار الأوضاع على ما هى عليه مع مزيد من التضييق والضغط! وقد تحقق السيناريو الأخير بالفعل، فلا تغييرات كبيرة عن العام الأول، هناك رئيس لديه إلهام سياسى شخصى نابع من إيمانه المطلق بقدراته الخاصة على القيادة والتحكم عن طريق المغامرة والعناد وفى بعض الأحيان الصبر والبطش وفى أحايين أخرى الخروج على المألوف أو المعهود خطابا وسياسة!
مازالت سفينة الوطن تمشى رغم كل الصراعات والخلافات والإخفاقات، لكن إلى متى وبأى ثمن يبقى هذا هو السؤال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved