عن أهل الشر ومنهم.. أعتذر

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: السبت 21 مايو 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

لابد من أن أعترف بأننى، ولفترة طويلة، لم أفهم ما يقصده الرئيس بتعبير «أهل الشر». فى البداية استنكرته، لأنه يأتى من عالم القيم المطلقة الذى لا يعرف سوى الخير والشر.

تصورت أنه يسد الأفق أمام الحوار مع صاحب أى رأى مخالف، ويسطح العلاقات السياسية، فى عالم لا يعرف المطلق بقدر ما يعرف المصالح النسبية، ولا يوجد فيه، فى الواقع، من يكرهك «لله فى لله»، بقدر ما تتصارع فيه رؤى ومصالح، بعضها مشروع وبعضها ليس كذلك.

زاد من ارتباكى أننى لم أعرف يقينا المقصود بـ «الأشرار». صفحات «اللجان والشخصيات الوطنية» على مواقع التواصل الاجتماعى، إضافة إلى جيش الجرار من «المذيعين والاستراتيجيين الشرفاء» من ذوى الصلة الوثيقة بالدولة ودوائرها العميقة، أكدوا أن دول الغرب والولايات المتحدة هم الأشرار، وأغرقونا بأخبار انتصارات مذهلة أحرزناها فى الخفاء على قادة الأساطيل الجرارة، وعن مؤامرات خبيثة وأسلحة متطورة تستخدم «النبضات الكهرومغناطيسية» لإثارة العواصف والبراكين وإسقاط الطائرات. خلطة ذهانية ذكرتنى بصراعات سوبرمان والوطواط ضد قوى الشر المخيفة فى مدينتى مور وجوثام. استغربت أيضا لأننا نتزاور دائما مع مسئولى هذه الدول الشريرة ذاتها، ونتباهى بأنهم يدعموننا فى حربنا ضد الشر. وبدا لى وقتها أن هناك تناقضا ما، فى سعينا للاستدانة بالمليارات من أهل الشر، لنشترى أسلحة متطورة نستعين بها، ولا تعجب، لمواجهة أهل الشر!

لكل هذه الأسباب شككت فى فكرة الشر والأشرار، حتى انتبهت مؤخرا إلى أننى كنت مخطئا، وأن للشر فى مصر حزب وأهل، لا يعرفون سواه، يحبونه لذاته ولا لشىء غيره.

شر مطلق يتجلى مثلا فى احتجاز غير مبرر للمحامى الحقوقى مالك عدلى الذى منعوا زوجته ومحاميه من لقائه ومن إدخال الطعام أو الأدوية إليه، فى مخالفة واضحة للقانون، وبرد واحد وقاطع وصريح: «التعليمات جاية من فوق».

لم تمنع الأدوية عن مالك وحده وإنما عن كثيرين. منهم الصحفى هشام جعفر المحبوس فى زنزانة انفرادية والممنوع من التريض. تكدير وتعذيب بالمنع من العلاج لباحث يحظى باحترام الجميع بسبب مواقفه الإصلاحية التى جعلت الدولة تلجأ إليه ليخط بيده وثيقة الأزهر التاريخية، ومنحته لقب «شيخ الإصلاحيين فى العمل العام». مثله لا يسجن بتهم واهية، ويعذب بحجب الدواء، دون أن يكون لأهل الشر دور.

من غيرهم يمكن أن يكون مسئولا عن سجن مصور شاب مثل شوكان أكثر من ألف يوم دون محاكمة؟

من سواهم سجن آية حجازى، وزوجها محمد حسانين، وزميلتهما أميرة فرج وغيرهم ممن شاركوا فى تجربة نادرة ومثالية لمساعدة أطفال الشوارع وإبعادهم عن الانحراف؟

ما مصلحة الوطن فى سجن عشرات الشباب والطلاب، وإضاعة مستقبلهم لأنهم رفضوا التفريط فى قطعة من أرضه الوطن؟

كيف تقول الدولة إنها تحارب الإخوان المسلمين، وفى الوقت نفسه تسجن ماهينور المصرى، ويوسف شعبان، ولؤى قهوجى، بسبب قضية رفعت ضدهم تحت حكم الرئيس السابق محمد مرسى؟

لماذا يتم التحقيق مع الحقوقى نجاد البرعى لمجرد أنه تجرأ على إرسال مشروع قانون يجرم التعذيب لرئيس الجمهورية؟

قليل من كثير والإجابة واضحة.

لا يمكن أن يحارب الوطن وأهله وكل ما يطمح إليه من قيم العدالة والحرية واحترام المصريين، دونما ذرة من منطق أو مصلحة، إلا أهل الشر.

فعذرا منهم عن الشك فيهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved