كحَّلها فأعماها!

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 21 مايو 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

حين قرأت أن الأجهزة الأمنية تفتش عن السيد حبيب العادلى فى غرف العناية المركزة بالمستشفيات، خطر لى على الفور التعبير الشائع الذى يتحدث عمن حاول أن يكحلها فأعماها. ذلك أن فكرة هروب وزير الداخلية المصرى السابق بعد الحكم بسجنه سبع سنوات فى قضية الفساد المالى لم تكن مقنعة للرأى العام. إذ لم يخطر على بال أحد أن يتعذر ذلك على أجهزة الداخلية بما يتوافر لها من إمكانيات هائلة فى المراقبة والتنصت والملاحقة. ولم يكن لذلك من تفسير سوى أن «رجاله» فى الداخلية هم الذين روجوا لقصة هروبه لتبرير عدم تنفيذ الحكم عليه، انتظارا لقرار محكمة النقض فى الاستئناف الذى قدمه محاميه. أيد هذا الشك أن العملية لها سوابق، ورعاية الأجهزة الأمنية لأركان النظام السابق الذين صدرت ضدهم أحكام نهاية بالسجن باتت أمرا معلوما ومسكوتا عليه.
إزاء عدم تصديق الرأى العام قصة هروب العادلى، حين نشر خبرها لأول مرة فى الأسبوع الماضى، فإن أجهزة الداخلية حاولت أن تصحح الصورة وتبعد عن نفسها شبهة التقصير أو التواطؤ التى لاحقتها. وحين حاولت أن «تكحلها» فإنها سربت معلومات نشرتها جريدة «الشروق» يوم السبت ٢٠/٥ جاء فيها ما يلى: قالت مصادر أمنية مطلعة إن إدارة تنفيذ الأحكام فى وزارة الداخلية نفذت خلال الساعات الماضية عدة مأموريات للقبض على الوزير الهارب، شملت فحص عدد من غرف العناية المركزة فى المستشفيات الاستثمارية والخاصة، لاحتمال وجوده بها. فضلا عن مأموريات أخرى (قامت بالبحث عنه) حول منزله فى ضاحية ٦ أكتوبر، والأماكن التى يتردد عليها، وفحص شبكات المحمول لتعقبه عن طريق الهاتف.
الغريب فى الأمر أن الفقرة التالية من الخبر المنشور ذكرت ما نصه: أضافت المصادر أنه فى المقابل يمارس وزير الداخلية الأسبق حياته الطبيعية مع أسرته وأصدقائه، كما يتردد على إحدى المستشفيات الاستثمارية بدعوى العلاج.. وأكدت أنه واصل لقاء محاميه أكثر من مرة فى الأسبوع الماضى للتوصل إلى أقرب طريقة للتعجيل بعقد جلسة نقض الحكم، لتحديد موقفه النهائى. لافتة إلى أن الحراسة المكلفة بمراقبة منزله من قبل وزارة الداخلية لا تزال موجودة فى «فيللته».
فى الجزء الأخير من الخبر أن العادلى سيظهر خلال جلسة النقض على الحكم. وهو يعمل حاليا على جمع أكبر عدد من المستندات التى تدعم موقفه بخصوص بنود الصرف أثناء توليه منصبه، لذلك فإنه يتواصل ومحاميه مع ضباط فى الوزارة لاستعادة نسخ إلكترونية من الأوراق التى تم تدميرها خلال حريق مبنى إدارة الحسابات بالوزارة.
هذه «الإيضاحات» أكدت أن الرجل ليس هاربا، كما أنه ليس مريضا، وأن حكاية البحث عنه فى غرف العناية المركزة كانت أكذوبة، كما أن تتبع اتصالاته الهاتفية وفحص شبكات المحمول للتعرف على مكانه ليس سوى شائعة لا أساس لها، وكان ذلك «الإيضاح» كافيا لإثبات أن الرجل فى «الحفظ والصون» تحت رعاية الشرطة التى تخفيه حتى يظهر فى جلسة النقض.
ما يهمنى فى الفيلم ليس وقائعه، وإنما تدنى مستوى قصته الذى أستغربه بشدة، خصوصا أننا نعلم أن للداخلية خبرة طويلة فى الموضوع ترشحها لأداء أفضل بكثير مما تابعناه، ولو أن القصة أساءت إلى الداخلية وحدها لهان الأمر ولضممناها إلى جملة ما يصدر عنها من روايات مفتعلة وقصص مرتبكة وملفقة، إنما الأخطر من ذلك أنها تهدم فكرة دولة القانون وتعيد إلى الأذهان فكرة «شبه الدولة» التى أشير إليها فى مناسبات عدة، قيل لنا فيها إننا تجاوزناها واستعدنا للدولة هيبتها وللقانون احترامه. إذ اكتشفنا فى ثنايا القصة أن ذلك كله كان كلام «جرايد»، يطلق فى المناسبات لدغدغة المشاعر ثم ينسى بعد ذلك لتعود «ريمة إلى عادتها القديمة». بحيث نظل فى القاع الذى وصلنا إليه ولم نغادره.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved