كيف نفهم انتصار الصدر؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 21 مايو 2018 - 9:13 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة صدى كارنيجى مقالا للكاتب « كيرك سويل» يتناول فيه الانتخابات العراقية التى عقدت فى مايو الحالى، والفوز غير المتوقع للائتلاف المدعوم من الإمام الشيعى مقتدى الصدر، وهزيمة المالكى والذى كان متوقعا أن يحصل على أكثرية عدد المقاعد، ولكن جاءت النتائج مخيبة للآمال وذلك بسبب ضعف المشاركة فى الانتخابات.
يستهل الكاتب حديثه بالقول: إن النتائج الأولية للانتخابات النيابية العراقية فى 12 مايو، والتى حل فيها ائتلاف مدعوم من الإمام الشيعى مقتدى الصدر فى المرتبة الأولى ــ أثارت صدمة فى أوساط المؤسسة الحاكمة، وأحدثت تبدلا فى التوقعات بشأن تشكيل الحكومة العتيدة. كان يُتوقَع على نطاق واسع أن يفوز رئيس الوزراء الحالى حيدر العبادى بأكثرية المقاعد، لكن بسبب النتائج السيئة التى حققها ائتلاف النصر بزعامته فى بغداد ــ التى تنتخب أكثر من خُمس النواب البالغ عددهم 329 نائبا ــ يبدو أن النصر حل ثانيا بعد ائتلاف «سائرون» المدعوم من الصدر– ونظرا إلى عدم الانتهاء بعد من توزيع المقاعد، ليس واضحا إذا كان ائتلاف النصر سيأتى أيضا بعد تحالف الفتح برئاسة هادى العامرى، وهو الائتلاف الأساسى المدعوم من إيران. يعود فوز الصدر، فى شكل خاص، إلى إقبال قاعدته على التصويت مع العلم بأن نسبة الاقتراع كانت متدنية فى البلاد بصورة عامة.
فى 17 مايو، نشرت هيئة الانتخابات فى العراق مجموع الأصوات فى كل محافظة فقط، ولم تكشف عن توزيع المقاعد، التى تُحدَد وفقا لصيغة حسابية شبه نسبية. ولا يزال هناك خلافٌ أيضا حول تعداد الأصوات فى كركوك، حيث اتهم الناخبون العرب والتركمان الاتحاد الوطنى الكردستانى، وهو الحزب الكردى الأساسى فى المحافظة، بممارسة التزوير على نطاق واسع. بيد أن القادة السياسيين، ومنهم العبادى نفسه، توجهوا بتهنئة علنية إلى الصدر لحلول ائتلافه فى المرتبة الأولى.
ويضيف الكاتب أن المفاجأة الأساسية كانت فى بغداد، التى كانت أوضاعها جيدة، فى بعض النواحى، فى عهد العبادى. فقد شهد الوضع الأمنى تحسنا كبيرا: فى حين كانت العاصمة تتعرض باستمرار لهجمات إرهابية كثيفة قبل العام 2014، تراجعت وتيرة هذه الهجمات وأصبحت أكثر ندرة. وقد أتاح ذلك أيضا عودة النشاط الاقتصادى. لكن خلال الحملة الانتخابية، نُظِمت تظاهرات تصاعدية احتجاجا على الخدمات العامة غير المناسبة فى العاصمة، وبدأت هذه الاحتجاجات العفوية التى عمت أنحاء بغداد بسلوك مسار تصاعدى فى مارس، بمعزل عن الاحتجاجات التى كان الصدريون ينظمونها فى ميدان التحرير فى العاصمة.
نظرا إلى حجم التدهور فى الأوضاع الاقتصادية والأمنية جنوب البلاد ــ حيث اندلعت احتجاجات ضد الحكومة فى الجنوب على مدى عام ونيف قبل الانتخابات، ولذلك لم يكن مفاجئا حصول العبادى على نسبة متدنية من الأصوات هناك ــ بذل العبادى جهودا من أجل تحقيق نتائج جيدة فى بغداد. وقد استخدم منصبه فى موقع رئاسة الوزراء لإصدار مرسوم تنفيذى دراماتيكى فى الأول من أبريل نصَّ على إطلاق «مجهود وطنى» تتولى بموجبه الوزارات الحكومية استكمال تنفيذ مشاريع الخدمات التى لم ينتهِ المتعاقدون من إنجازها. على الرغم من أن هذه المبادرة طغت على دورة الأخبار المحلية لبضعة أيام بعد المؤتمر الصحفى الذى عقده العبادى فى ذلك التاريخ، إلا أنها اختفت فى الأيام الثلاثين الأخيرة من الحملة، وهو ما ساهم فى تعزيز الانطباع لدى الرأى العام بأنه لن يفىَ بوعوده.
قد يكون السبب وراء النتيجة السيئة التى مُنى بها العبادى، بطريقة مفاجئة، فى بغداد، تراكُم مشاعر الغضب والإحباط لدى السكان جراء رداءة الخدمات الحكومية والآمال الخاطئة التى أحياها العبادى من خلال المرسوم الآنف الذكر. فى بغداد، عادت خسائر العبادى فى شكل أساسى بالمنافع على الصدر. وحل ائتلاف الفتح برئاسة العامرى فى المرتبة الثانية، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نورى المالكى فى المرتبة الثالثة، وهو ما يؤشر إلى صمود قواعدهما الناخبة، فى حين أن الاحتجاجات المدعومة من الصدر وجهت انتقادات لاذعة إلى الحكومة على خلفية غياب الإجراءات القضائية لمكافحة الفساد، والتلكؤ المستمر فى الخدمات العامة.
***
ويستطرد الكاتب قائلا إن نجاح الصدر مرده إلى آليات تعبئة القاعدة الشعبية وإدارة الائتلاف أكثر منه إلى أى زيادة كبيرة فى الدعم بذاته. فعلى مستوى البلاد، تراجعت نسبة الاقتراع من 62 فى المائة فى العام 2014 إلى أقل من 45 فى المائة فى العام 2018. تُظهر نتائج بغداد الثمار التى حصدها الصدر من التحالف مع أحزاب علمانية تُعتبَر ضعيفة على صعيد البلاد ككل لكنها منظَمة جيدا فى العاصمة.
فى العام 2014، بلغ مجموع المقترعين فى بغداد 2821919 ناخبا، فى حين أنه فى العام 2018، وبعد فرز 95 فى المائة من الأصوات، لا يزال مجموع المقترعين دون 1.8 مليون ناخب، أى أقل بنحو مليون صوت. لكن فى حين نال ائتلاف «سائرون» برئاسة الصدر، 413638 صوتا ــ بفارق كبير عن ائتلاف الفتح الذى حل فى المرتبة الثانية مع 233298 صوتا ــ لم تسجل أصوات الصدريين زيادة كبيرة. ففى العام 2014، نالت قائمتان إسلاميتان تابعتان للصدريين (ائتلاف الأحرار وتجمع نخب) ما مجموعه 352815 صوتا. وعلى نحو منفصل، حصلت القائمة العلمانية الأساسية، التحالف المدنى الديمقراطى، على 112563 صوتا. فى الانتخابات الأخيرة، انقسم التحالف المدنى الديمقراطى إلى ثلاث قوائم شاركت إحداها، الحزب الشيوعى العراقى، فى الاحتجاجات التى قادها الصدريون، وترشحت مع ائتلاف «سائرون». تُظهر النتائج الأولية أن الفصيلَين الآخرين فى التحالف المدنى الديمقراطى، نالا منفصلَين 61000 صوت، وهو ما يعنى أن ما تبقى من الأصوات العلمانية، وعددها 61000 صوت، صبت فى مصلحة ائتلاف «سائرون» ــ وذلك فى حال افتراضنا مستوى ثابتا من المشاركة.
يبلغ مجموع أصوات الصدريين فى العام 2014 والحصة التى حصلوا عليها ــ وفق التقديرات ــ من عدد الأصوات التى نالها التحالف المدنى الديمقراطى، نحو 413000 صوت، وهو ما يعنى أن عدد الناخبين فى بغداد الذين يدعمون الصدريين أو حلفاءهم العلمانيين ظل على حاله فى الدورتَين الانتخابيتين. لكن نظرا إلى أن مجموع الأصوات فى بغداد تراجع بمعدل نحو 36 فى المائة، سيحصل الصدر على حصة أكبر بكثير من المقاعد التسعة التى نالها فى العام 2014، من أصل 69 مقعدا مخصصا لبغداد. وقد تكرر النمط نفسه فى المحافظات ذات الأكثرية الشيعية، ولذلك يُتوقَع أن يزيد عدد مقاعد كتلة الصدر من 34 مقعدا فى برلمان 2014 إلى 55 مقعدا فى البرلمان الجديد.
إذا بدلا من أن ينطلق العبادى من موقع قوة مع أكثرية ناخبة إلى جانبه، سيجد نفسه مضطرا إلى تقديم تنازلات مهمة من أجل الفوز بولاية جديدة. فى أحد السيناريوهات، يمكن أن يُعاد انتخاب العبادى عبر تحالفه مع الصدر، شرط أن يكون مستعدا لتقديم التنازلات الملائمة. قبل الانتخابات، أعلن الصدر على الملأ عن تأييده لفوز العبادى بولاية ثانية، ويبدو أن الصدريين تعلموا درسا من أخطائهم فى العام 2016، عندما حاولوا استخدام الاحتجاجات الحاشدة من أجل فرض تغيير فى التركيبة الحكومية، وانتهى الأمر بتكتل الفصائل الشيعية الأخرى ضدهم. فمنذ انتهاء الانتخابات، يشدد المتحدث باسم الصدر، صلاح العبيدى، على أنه لم تحقق أى كتلة الفوز بفارق كبير، وهو ما يؤشر إلى أن الصدريين يدركون أنه ليس بإمكانهم السيطرة على عملية تشكيل الحكومة. فى حين طرح بعض الصدريين اسم محافظ ميسان، على دواى لازم، لمنصب رئاسة الوزراء، قال العبيدى لشبكة «إن آر تى» فى 15 مايو، إنهم يعتبرون لازم بمثابة نموذج عما يجب أن يكون عليه رئيس الوزراء ــ لناحية التركيز على احتياجات الشعب ــ ولا ينظرون إليه بالضرورة كمرشح سوف يتمسك به ائتلاف «سائرون».
كذلك يصطف تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم إلى جانب العبادى، وفى حال الانضمام إلى الصدر، سوف يزيد عدد مقاعدهم مجتمعين على مائة مقعد. نظرا إلى مقبولية العبادى فى أوساط السنة، غالب الظن أنه سيتمكن من جذب عدد كافٍ من الأحزاب السنية الصغيرة إلى ائتلافه للحصول على أكثرية برلمانية من 165 مقعدا. إنما على الأرجح أن الصدريين سيفرضون شرطا أساسيا، وهو أن ينسحب العبادى من حزب الدعوة ويؤدى دوره كرئيس وزراء غير حزبى. سبق أن عبر الصدريون عن هذا المطلب فى الماضى فى إطار النداء الأوسع الذى أطلقوه من أجل تشكيل حكومة تكنوقراطية غير حزبية، وهم الآن فى موقع يخولهم الإصرار على هذا المطلب.
***
فى سيناريو ثانٍ، قد يتحول العبادى نحو العامرى والمالكى لتشكيل أكثرية شيعية. لن يكون ذلك ممكنا إلا إذا حصل العبادى على عدد من المقاعد يفوق ما ناله العامرى، فإذا حدث العكس، لن تكون هناك أسباب منطقية تدفعهما إلى إشراك العبادى. لقد توقعت صحيفة «الأخبار» اللبنانية المقرَبة من الشيعة وقناة «الشرقية» التلفزيونية السنية العراقى، أن يتفوق العبادى على العامرى بفارق ضئيل، مع 51 مقعدا للأول مقابل 50 مقعدا للثانى، وتقدُم الصدر عليهما ببضعة مقاعد من خلال نيله 55 مقعدا. غير أن للعبادى علاقات سيئة مع العامرى والمالكى، وهو ما قد يلقى بضغوط على أى تحالف محتمل. فى حين يتراشق العبادى والمالكى بالكلام والاتهامات منذ حلول الأول مكان الثانى فى منصب رئيس الوزراء فى العام 2014، شهدت علاقة العبادى مع العامرى تقلبات، لكنها انقطعت عندما لمح العبادى فى العلن ــ خلال الحملة ــ إلى أن أشخاصا مقربين من العامرى ضالعون فى مقتل مسئول أمنى رفيع فى إبريل على خلفية قضية فساد. إذا ظهر أن العبادى ينظر فى هذا الخيار، فقد يكون السبب فقط السعى إلى الحفاظ على ورقة ضاغطة فى مواجهة الصدر.
فى السيناريو الثالث، يُنشئ العامرى والمالكى تحالفا مدعوما من إيران يُشكل تكتلا مع أحزاب كردية كبرى بغية إقصاء الصدر والعبادى على السواء. إنما يُتوقَع أن يحصل العامرى والمالكى معا على 75 مقعدا فقط، أى أقل بكثير من الكتل التى يقودها الشيعة وتروج لبرامج قومية. وحتى لو نجحا فى استقطاب عمار الحكيم وكسب الدعم من الأحزاب الكردية الأساسية، سيظل ينقصهما نحو 40 صوتا للحصول على أكثرية من المقاعد، ومن المستبعد أن يتمكنا من حشد دعم كافٍ من القوائم العربية السنية، التى لن تؤازر على الأرجح مرشحا مدعوما من إيران، من أجل التعويض عن الفارق.
وختاما يذكر الكاتب أن السيناريو الأكثر ترجيحا، أى انتخاب العبادى لولاية جديدة بدعم من الصدر، سيولد دينامية سياسية مختلفة بالمقارنة مع ولاية العبادى الأولى، إنما لن يقود إلى مجموعة من السياسات مختلفة اختلافا جذريا. كما فى السابق، سوف يفتقر العبادى إلى أكثرية ثابتة فى البرلمان من شأنها تسهيل إقرار التشريعات. ونظرا إلى النزعة الشعبوية لحلفائه الجدد، سيصبح إقرار الموازنة والإصلاحات الاقتصادية ذات الصلة، أشد صعوبة.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved