سمير غانم..الضحكة التى غيبتها الكورونا

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 21 مايو 2021 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

غيَّب الموت الضحكة المصرية الرايقة.. أحد أشهر صناع البهجة فى الدراما المصرية، وأيقونة الكوميديا فى المسرح المصرى والسينما والتليفزيون سمير غانم، اللهم لا اعتراض، فالموت هو الحقيقة الأولى فى حياة البشر، لكن أن يرحل فنان له فى وجدان كل المصريين هذا القدر من عمق الأثر مصابا بفيروس اللعنة كوفيد ــ ١٩، فتطفأ أنوار المسرح، ويسدل الستار فجأة على أحداث مسرحية كوميدية بالغة العذوبة وسط ضحكات المتفرجين وتصفيقهم تعبيرا عن فيض من سعادة داخلية تفجره حوارات سمير غانم الساخرة، وتعليقاته الذكية، ولغة جسده البارعة، وملامحه التى تنطق بقدرات فريدة، وحده يمتلكها، تتحداك ألا تستجيب لها.. فتضحك مهما كانت الهموم تحاصرك.
سقط الستار فجأة فى توقيت لم يتوقعه الجمهور الذى ظل فى مقاعده متصورا أن فى الأمر خدعة ساخرة يظهر بعدها فطوطة أو كابتن جودة.. ربما ميزو أو مسعودى أو قد تكون المفاجأة أكبر فيرفع الستار مرة أخرى عن سمير والضيف وجورج.. ثلاثى البهجة.. وأضواء المسرح، لكن النبأ الحزين أكد أن ضحكة مصر الرايقة قد رحلت.. فتراجعت الابتسامات وتوقف التصفيق ونهض الجمهور ليغادر المسرح الذى اعتاد أن يلجأ إليه هربا من هموم الدنيا وأوجاعها متثاقلا مغموما.
فرض خبر رحيل الفنان سمير غانم نفسه على صفحة الصحة هذا الاسبوع، فى البداية سألت نفسى كيف؟ لكن الإجابة كانت حاضرة فى ذهنى، فالضحك بضمان العلم قد يفوق الأدوية أحيانا فى علاج النفس، وغياب فنان عبقرى فى فن الإضحاك والترويح عن النفس خسارة فادحة.. أما الأهم فى الأمر أنه قد غاب نتيجة لإصابته بعدوى الفيروس الذميم ومازالت زوجته الفنانة القديرة تحت رعاية الله سبحانه والأطباء.
فقد الموت جلاله وتوسع فى نشاطاته حتى إنه لم يسلم مجتمع من المجتمعات من مرارة الفقد وافتقاد الصحاب، وأصبح الصمت الذى لا يختلف كثيرا عن الخرس هو ما نتلقى به أخباء رحيل رفاق الحياة وصحبة الأيام.
تخيلت للحظات خارج الزمن وأسوار النطق أن سمير غانم قد فاجأنا بعودته للحياة فى صور متعددة من شخصيات محبوبة قام بأداء أدوارها التمثيلية، ماذا يمكنه أن يقول لنا: للناس، للحكومة، للعالم، لشركات الأدوية العملاقة التى انقطعت لأعمال التجارة باللقاحات. ماذا يمكنه أن يقول للفيروس ذاته؟
غياب سمير غانم يجب ألا يقابل بمظاهر الحزن العادية التى تتكرر الآن على وسائل التواصل الاجتماعى وصفحات الجرائد والمجلات وبرامج التليفزيون.
وجوده كان فى حياتنا طاقة إيجابية تدفعنا للضحك وغسل الهموم، فلماذا لا تحرك وفاته فينا طاقات ايجابية للتفكير فيما نحن فيه من كرب: أفكار جديدة مختلفة تبدد غيمات الشك والتشكيك فى فكرة الوقاية باللقاحات المختلفة. تشرح متى ولماذا يمكن تناول الأدوية والغرض منها. تتحدث بعلم وبساطة عن أنواع اللقاحات وما تحدثه من آثار جيدة أو مضاعفات.
لماذا لا يتولى مخرجو ومنتجو المسلسلات الدرامية التى تتفق عليها الملايين تستهدف وعى المصريين فى مقتل إنتاج يومى يذاع فى أوقات محددة يتحدث بواقعية وصدق ووضوح عن حقيقة الوباء الكارثى الذى طال كل بقعة على سطح الكرة الأرضية، برنامج ينقل صورة صادقة لواقع ما يحدث فى مصر وأخبار حقيقية من المحافظات لا يخلو من أحاديث المسئولين إذا ما التزموا بالصدق وترفعوا عن صغائر ألوان النفاق، ومحاولة إثبات أن كل شىء تحت السيطرة.
برنامج يومى.. قومى يذاع فى أوقات محددة على جميع القنوات بلا استثناء بعدها يمكننا بالفعل أن نراهن على وعى المواطن.. والثقة فى الحكومة.
وداعا سمير غانم.. نرحل.. لكن أصداء ضحكاتنا تظل تذكرنا بعبقريتك وبأيام خلت عشناها بعد لا ننتظر فيها الموت فى كل لحظة.. بل نضحك من عمق القلوب متناسين أن الموت دائما معنا.. ربما شغل بعض الوقت عنا بالضحك معنا على أدائك المدهش وقدراتك على الاضحكاك. وصنع البهجة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved