الضم الصامت.. كيف تنفذ إسرائيل الضم فى الضفة الغربية دون إعلان رسمى؟

قضايا فلسطينية
قضايا فلسطينية

آخر تحديث: الأربعاء 21 مايو 2025 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

من ينتظر إعلان إسرائيل عن ضم أجزاء من الضفة الغربية فهو مخطئ، لأن إسرائيل بدأت فعلًا بالضم التدريجى الصامت، وذلك عبر إجراءات بيروقراطية وأدوات استيطانية، مع إبقائها الباب مواربًا أمام المجتمع الدولى، ومن هذه الإجراءات التدريجية، تصعيد الاستيطان ومصادرة الأراضى وهدم المنشآت الفلسطينية، وتترافق هذه الإجراءات مع ضعف الموقف الفلسطينى، واقتصار المواقف الدولية على إطلاق التصريحات المندده، وإصدار بيانات تدعو لوقف الاستيطان، تحت عناوين مثل: أن الضم يقوض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة نهائيًا، ويدفع بالوضع نحو نظام أبارتهايد طويل الأمد. ومنذ تولى ائتلاف نتنياهو الحكم أواخر عام 2022، والضفة الغربية تشهد تصاعدًا غير مسبوق فى إجراءات الضم الصامت، بتغيير الجيوسياسية للضفة الغربية.
وفى كل يوم، تعلن الحكومة البنيامينية اليمينية، عن قضم أراضى الفلسطينييين فى المنطقة C من الضفة الغربية، وقالت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان فى تقرير «إن النقل المستمر للصلاحيات على الضفة الغربية من الجيش إلى الحكومة يسهل توسع المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها أو على أجزاء واسعة منها»، وفى سياق إجراءات الضم الصامت، شق المستوطنون والجيش عشرات الطرق غير المصرح بها حول المستوطنات والبؤر الاستيطانية، بهدف ربطها بعضها ببعض، مترافقًا مع إعاقة حركة الفلسطينيين، وبموازاة ذلك أيضًا تكثف الحكومة الإسرائيلية خدماتها للمستوطنات، لإضفاء الطابع المؤسسى على أنماط التمييز المنهجى، بالعزل العنصرى والقمع والسيطرة، وغيرها من الأعمال اللا إنسانية بحق الشعب الفلسطينى .
• • •
تتجسد سياسة الضم الصامت على الأرض بشق الطرق الالتفافية كـ«شارع السيادة»، ومشروع نسيج الحياة، اللذين يهدفان إلى عزل منطقة العيزرية إلى الشرق من القدس الشرقية بالكامل، وتوجيه حركة الفلسطينيين من شارع يمر عبر منطقة جبل البابا الواقع على أطراف العيزرية، وصولًا إلى رام الله، ومنذ تعيين بتسلئيل سموتريتش وزيرًا للمالية ومسئولًا بصلاحيات واسعة عن الإدارة المدنية، يتم طرح مشاريع الاستيطان والمصادقة عليها بشكل دورى، دون عرضها على المستوى السياسى لنقاشها كما كان الأمر فى السابق، وفى سياق سياسة الضم الصامت، حولت الإدارة المدنية نحو 18 ألف دونم من أراضى الضفة الغربية مؤخرًا إلى مناطق مخصصة للرعى الاستيطانى، خاصة فى مناطق الأغوار، ويترافق هذا مع عمليات الترحيل الممنهجة للتجمعات البدوية فى مناطق مسافر يطا جنوب الخليل وفى الأغوار.
يوجد إجماع واسع بين الإسرائيليين على مسألة الضم، لكن الخلاف بينهم يتعلق بالمساحة التى يجب ضمها، فبعضهم يؤيد ضم الكتل الاستيطانية فقط، فيما تطالب قوى اليمين والمستوطنين بضم كل مناطق C ويتزامن هذا النقاش مع مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلى المصغر مؤخرًا، على قرار يقضى بتسجيل الأراضى فى المناطق C التى تشكل 60% من مساحة الضفة، لمنع الفلسطينيين من القدرة على إثبات ملكيتهم لأراضيهم، ومنع إجراءات تسجيل أراضى مشابه تنفذه السلطة الفلسطينية، إلى جانب وجود مساحات واسعة لا يملكها فلسطينيون، ويتم تسجيلها على أنها أراضى دولة تابعة للاحتلال الإسرائيلى، وفى موازاة ذلك، تدفع الحكومة الإسرائيلية بإجراءات لسن قانون يسمح للمستوطنين بشراء أراض فى قلب البلدات والمدن الفلسطينية فى الضفة، كما تم إقرار قانون يقضى باستخدام عبارة يهودا والسامرة كمصطلح رسمى بدلًا من الضفة الغربية.
• • •
إن اليمين الإسرائيلى الذى سال لعابه عند تولى ترامب الرئاسة فى ولاية ثانية، واستبشر خيرًا بتوفيره الدعم والغطاء السياسى لضم الضفة الغربية، أصيب بخيبة أمل من احتمال كهذا، بعد المؤشرات عن توتر فى العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية بعد اتخاذ إدارة ترامب لخطوات اعتبرت خروجًا عن الثوابت التقليدية فى دعم إسرائيل، تمثلت بتجاوز الإدارة الأمريكية لإسرائيل فى الاتفاق مع حماس على إطلاق سراح الأسير الأمريكى عيدان ألكسندر، وسبق ذلك الاتفاق مع الحوثيين على وقف الهجمات على السفن الأمريكية مقابل وقف الهجمات الأمريكية عليهم، دون علم إسرائيل وحتى دون طلب أمريكا وقف الحوثيين هجماتهم على إسرائيل، وكذلك المفاوضات بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووى على غير رغبة إسرائيل، اتبعها ترامب بجولته الخليجية التجارية، ولقائه الرئيس السورى الشرع على غير رغبة إسرائيل أيضًا.
• • •
إزاء ذلك فإن هناك عدة سيناريوهات لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أو على أجزاء منها بشكل رسمى تختلف فى أساليبها وتداعياته:
السيناريو الأول: الضم الرسمى الجزئى للمناطق المصنفة (C)، والتى تصل مساحتها لنحو 60% من مساحة الضفة الغربية، والخاضعة حاليًا للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية وفق اتفاق أوسلو، وهذا السيناريو محتمل التحقق إذا لم تعارضه إدارة ترامب أو وقفت موقفًا محايدًا منه، بفعل ضغط اللوبى الإسرائيلى ومؤسسات الصهيونية المسيحية والحزب الجمهورى، إلا أنه سيلقى معارضة دولية قوية، لا سيما من الاتحاد الأوروبى والدول العربية، ومن التداعيات المترتبة على هذا السيناريو انهيار محتمل للسلطة الفلسطينية، واحتجاجات محتملة من قبل الفلسطينيين قد تنفجر على شكل عنف ميدانى.
السيناريو الثانى: الضم الفعلى بدون إعلان رسمى (سياسة الأمر الواقع)، وذلك من خلال استمرار إسرائيل فى التوسع الاستيطانى ومصادرة الأراضى وشرعنة البؤر، وتسجيل الأراضى دون إصدار إعلان رسمى بالضم، وهذا السيناريو هو قيد التطبيق حاليًا، وهو أقل تكلفة دبلوماسية، لأنه لا يستفز المجتمع الدولى بشكل مباشر، إلا أن تداعياته تتمثل بتآكل حل الدولتين، وخلق نظام فصل عنصرى (أبارتايد) بنيوى أوسع، بالإضافة لخنق التنمية الفلسطينية وبناء واقع دائم من السيطرة دون تمثيل سياسى للفلسطينيين.
السيناريو الثالث: ضم الكتل الاستيطانية الكبرى فقط، بفرض السيادة على مناطق مثل "معاليه أدوميم" و"غوش عتصيون" و"أرئيل"، و"موديعين عيليت"، مع ترك باقى مناطق الضفة لمفاوضات فى المستقبل، وهذا السيناريو حظى فعلًا بدعم ضمنى من بعض القوى الدولية، وقد يُعرض كحل "وسط" ضمن خطة أوسع للتسوية، إلا أن من تداعياته جعل الدولة الفلسطينية المستقبلية (فيما لو قدر لها أن تقوم) غير متصلة جغرافيًا، كما أنه يعزز موقف المعارضة الفلسطينية، لأنه يقتطع أهم المناطق الاقتصادية والجغرافية من الضفة الغربية.
السيناريو الرابع: ضم شامل لكامل الضفة الغربية لإسرائيل رسميًا بما يشمل المناطق A وB، إلا أن هذا مستبعد فى المدى القريب بسبب الثقل الديموغرافى للفلسطينيين (نحو 3 ملايين نسمة)، ما يتطلب إعادة تعريف المواطنة، إما بإعطاء الجنسية للفلسطينيين أو فرض نظام أبارتهايد رسمى، ومن تداعيات هذا السيناريو المحتملة نهاية حل الدولتين نهائيًا، ومواجهات واسعة النطاق، مترافقًا مع ضغوط دولية وحقوقية ضخمة وعزلة دبلوماسية لإسرائيل.
السيناريو الخامس: الضم ضمن اتفاق مرحلى مع السلطة الفلسطينية أو دولة ثالثة، من خلال اتفاق قد يُبرم مع السلطة الفلسطينية (أو برعاية دولية) يعترف بسيطرة إسرائيل على بعض المناطق مقابل تسويات سياسية واقتصادية، إلا أن الاحتمال ضعيف فى ظل الوضع السياسى الحالى والانقسام الفلسطينى الداخلى، ومن تداعيات هذا السيناريو أنه قد يواجه رفضًا شعبيًا فلسطينيًا واسعًا، بالإضافة إلى أنه يقوض العدالة التاريخية الشعب الفلسطينى.
إن السيناريو الذى تطبقه إسرائيل حاليًا هو الضم الفعلى بدون إعلان رسمى، بإتخاذ إجراءات فرض السيادة على الأرض عبر أدوات بيروقراطية واستيطانية تدريجية، أما السيناريوهات الأخرى فتتوقف على موازين القوى السياسية داخل إسرائيل وعلى الموقف الأمريكى، والتطورات الإقليمية والدولية.
نبهان خريشة
جريدة القدس الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved