مَنْ يرسم خريطة الشرق الأوسط الجديدة؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 21 يونيو 2013 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية، اجتمع سرا فى القاهرة عام 1916 جورج بيكو القنصل الفرنسى فى بيروت، مع السير مارك سايكس المندوب السامى البريطانى لشئون الشرق الأدنى، إضافة لمندوب روسى، وأسفرت مجموعة من الاجتماعات عن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الخاضع للسيطرة العثمانية إلى مناطق نفوذ فرنسية وأخرى بريطانية.

 

ما حدث عام 1916 يتكرر اليوم فى عملية متواصلة منذ أعوام قليلة فى صور مختلفة وإن كانت تهدف لما هدفت إليه خطط الماضى من إعادة رسم خريطة جديدة لدول وكيانات المنطقة.

 

ويبدو أن الاختلاف الأهم بين خريطة الأمس وخريطة اليوم يتمثل فى أن العرب كانوا مفعولا به تماما فى الحالة الأولى، وقامت القوى الأوروبية بتقسيم المنطقة طبقا لمناطق نفوذها متجاهلة رغبات وطموحات شعوب العرب. اليوم تقوم القوى الخارجية بدور واضح بدا أنه عملية استغلال استراتيجى أتاحته لها حالة السيولة التى تشهدها المنطقة العربية.

 

ويبدو أن الشعوب العربية وبعض القوى الإسلامية تنساق دون إدراك لتنفيذ مخططات خارجية ويدعمها فى حالات كثيرة غليان شعبى غير مبرر بل مضر للغاية خاصة فى ظل غياب قيادات عربية واعية لحجم ما يحيط بنا من مخاطر استراتيجية.

 

تساهم الشعوب العربية فى تشكيل خريطة الغد بدماء الآلاف من أبنائها، إلا أن استخدام البعض لنعرات طائفية ودينية ومذهبية ضيقة تعود بنا للقرون الوسطى يبدد أى آمال فى الحصول على حرية أو عدالة ظلت غائبة لعقود طويلة.

 

خلقت خريطة سايكس بيكو دولا اعتمد بقاؤها على حكومات محلية ضعيفة سواء كانت ملكية أو جمهورية تابعة لدول خارجية. وبعد حالة الضعف التى تعرضت لها القوى الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية تأكدت الدول الغربية من ضرورة إنهاء الاستعمار فى صورته التقليدية، وما كان لها إلا أن تدرك أن وجود أنظمة ديكتاتورية تسلطية يعد ضمانا كافيا لسيطرة غير مباشرة وغير مكلفة على ثروات ومقدرات شعوب المنطقة.

 

ورغم محاولات القوى الكبرى أن تخرج بغنائم من حالة السيولة الاستراتيجية التى خلقتها اندلاع الثورات العربية منذ سقوط نظام بن على فى تونس، وانشغالها، كما هو متوقع منها، فى إعادة حساباتها الاستراتيجية، دخلت الدول الإقليمية الساحة العربية فى محاولة جاهدة لسد الفراغ الاستراتيجى الذى تعانى منه منطقتنا، والتحرك سريعا لتأكيد مصالحها، والمشاركة فى إعادة رسم خريطة المنطقة.

 

فى الوقت نفسه اختارت النخبة السياسية المصرية الحاكمة والمعارضة أن تبقى خارج التاريخ. ومازالت القوى السياسية المصرية على اختلاف أشكالها وتوجهاتها لا ترى فيما يحدث حولنا ما يستحق الانتباه! ولم تدرك تلك القوى بعد أن المخاطر والتحديات التى يشهدها المحيط الإقليمى، والتى لا تقل أهمية وتأثيرا على مستقبل مصر مما يشهده الداخل المصرى.

 

••• 

 

ما تشهده مصر منذ بدء الثورة، واسقاط نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، من مناقشات ومعارك حول تفاصيل بناء أسس حياة سياسية مصرية داخلية جديدة يمثل ظاهرة جيدة فى مجملها لديمقراطية ناشئة بعد نجاح ثورة شعبية ضد الاستبداد والفساد.

 

إلا أن استمرار تهميش قضايا السياسة الخارجية لمصر وغياب المناقشات الجادة حول الأبعاد الاستراتيجية لما يجرى على حدود الدولة المصرية وكيفية إعادة تشكيل وتحديد مصالح مصر الخارجية علاوة على تأثير كل ذلك على مصر المستقبل، لا يوجد له ما يبرره على الإطلاق.

 

خلال الأيام القليلة الماضية خرجت عدة تقارير صحفية تشير لواقع محبط يحيط بالدولة المصرية من كل جانب، وتمثل تلك التقارير نذير خطر على مصر وعلى مصالحها الإقليمية حاليا ومستقبلا، ويمثل كل منها تهديدا واختبارا حقيقيا لبقائها بالصورة التى نعرفها الآن.

 

• مع اشتعال العنف فى إقليم برقة الشرقى بليبيا والمجاور للحدود المصرية ينشغل خبراء حلف الناتو بالتخطيط لشكل الدولة الليبية فى المستقبل وهل ستبقى بحدود الدولة الليبية كما نعرفها اليوم. لمصر مصالح حقيقية داخل ليبيا، وتتفوق مصلحة مصر على أى مصالح لدولة أخرى من دول حلف الناتو. وتتعدى مصالح مصر الاستراتيجية فى ليبيا مصادر الطاقة، التى لا تنفى دول حلف الناتو أنها تمثل أهم مصالحها هناك. ومن الأهمية بمكان أن تشارك مصر فى أى مناقشات أو خطط لتصور المستقبل فى ليبيا، ويجب ألا  نسمح بتجاهل دول الناتو المصالح المصرية فى الجار الليبى.

 

• يرى عدد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين ضرورة مراجعة إسرائيل استراتيجيتها العسكرية، خاصة مع إيمانهم أن الحروب فى شكلها القديم (حروب الجيوش) أصبحت من الماضى، خاصة بعد تدمير الجيش السورى فى الحرب الأهلية المستمرة، وانشغال مصر بالداخل السياسى غير المستقر الذى يراه البعض حربا أهلية بدون إراقة دماء بعد.

 

• إعلان دولة جنوب السودان نيتها التصديق على اتفاقية عنتيبى الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل، وذلك عقب إعلان إثيوبيا البدء فى تحويل مسار النيل الأزرق وبدء أعمال سد النهضة.

 

• السعودية تقود التيار السنى فى المنطقة ضد التحالف الشيعى الجامع لحزب الله وإيران والنظام السورى، فى وقت تستعر فيه حدة الحرب الأهلية السورية.

 

هذه الأمثلة، وغيرها، تشير إلى أنه ليس هناك بديل أمام مصر إلا أن تفصل بين الشأن الداخلى والشأن الخارجى، فالمصالح الاستراتيجية لمصر باقية بغض النظر عن هوية من يحكم مصر حاليا ومن سيحكم مصر مستقبلا.

 

•••

 

ما أقدمت عليه القيادة المصرية فيما يتعلق بالملف السورى سواء قطع العلاقات بين الدولتين، والدخول بمصر فى متاهة صراع سنى شيعى لا يخدم سوى من يقوم برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط من الخارج. أما تشجيع الشباب المصرى على الجهاد ضد نظام بشار الأسد بسوريا إرضاء لقوى سلفية تمولها المملكة السعودية لن يكون له أى مردود إيجابى على المصالح المصرية، بل يؤسس لمستقبل عربى تنتهى فيه حروب الجيوش وتبدأ معه حروب الشعوب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved