ما عيب إلا العيب

تمارا الرفاعي
تمارا الرفاعي

آخر تحديث: الأربعاء 21 يونيو 2017 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

كثيرا ما ننهى نقاشا طويلا وإشكاليا حول تصرف صدر عن أحدهم واختلف حوله الحاضرون بقولنا «عيب». وكثيرا ما نشير إلى الأعراف والتقاليد خلال تقييمنا لمواضيع وأمور حياتية، جلها متعلق بالعلاقات الإنسانية أو بالعلاقات داخل الأسرة أو داخل المجتمع، فنصنفها على أساس أنها مقبولة أو «عيب».
هناك إطار لونه أحمر يحيط بنا تحت مسمى «العيب»، كلما اقتربنا منه بدأت صافرات الإنذار بالصفير من أطرافه المختلفة، «هيك عيب، هيك ما بصير، ما يصحش كدا». كلما حاولنا دفعه قليلا حتى نكبر المساحة التى نتحرك داخلها احترقت أيدينا من حرارته. الحركة داخل الإطار قد تبدو واضحة، فطالما أننا لم نتجاوز الخط الأحمر فنحن بخير. لكننا، وحين نبتعد عما هو متعارف عليه، بمعنى أن نترك ما يبدو أنه مقبول عموما من الكثيرين من حولنا، تجدنا أصبحنا أقل عددا قرب الإطار.
***
العلاقة مع الأعراف والمعتقدات شديدة التعقيد، فهى ليست قواعد واضحة ومتفقا عليها، هى مفاهيم مطاطة، يمكن شد وجذب أجزاء منها حسب الظروف، قد يكون فيها شيء شبيه بـ «الوصايا العشر» يعد بمثابة العمود الفقرى للعلاقات داخل المجتمعات، ويزيد عليها الناس والمجتمعات قواعد أخرى وتفسيرات بحسب البلد أو المجتمع أو حتى ضمن العائلة الواحدة.
أذكر أننى لطالما وعدت نفسى فى طفولتى ومراهقتى، أننى لو أصبحت أما فى يوم ما، فإننى لن أختبئ وراء كلمة «عيب» إن أردت ثنى أطفالى عن فعل أو قول. لم أكن أفهم وقتها ضرورة أن يكون للتصرفات كتالوج غير مكتوب وفى كثير من الأحيان غير واضح، يتداخل فيه الدين بالبروتوكول بالعادات العائلية والاجتماعية دون أن أتمكن من تمييز أصول العادات. وقد زاد اللبس بالنسبة لى أثناء دراستى الجامعية، وخلال دراسة مادة القانون تحديدا، حين كنت أدرس عن أصول القوانين والمصادر التى تستمد منها أساسياتها، كالشريعة الإسلامية مثلا فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، أو الدستور الفرنسى المطبق فى بعض البلدان العربية.
***
فى الواقع، من الصعب أن أتطرق إلى موضوع العيب بشكل خفيف وفى عمود محدود، إذ إن العيب ثقافة متكاملة متأصلة فى المجتمعات كلها، ولا يمكن النظر فيها وإليها بمعزل عن مواضيع كثيرة شائكة، كالدين والحرية الشخصية وعلاقة الفرد بالفضاء العام، وحق ممارسة حرية الخيار والاختيار فى كثير من الأمور الشخصية. ألاحظ حتى أننى كثيرا ما أراجع مواقفى فأصبح أقل تمردا على الأعراف مما كنته فى سنوات مراهقتى، أو أننى أصبحت أتقبل أشياء كنت أراها فى قمة «العيب» فى صغرى.
***
البروتوكول أسهل نوعا ما فى التعريف، فهو يتغير بحسب الثقافات والمجتمعات، وقد يرى مجتمعان أمرا واحدا بشكل متناقض، فيكون هذا الأمر تصرفا عاديا فى بلد المجتمع الأول ومؤذيا فى بلد المجتمع الثانى. هذا لا يهمنى كثيرا، إذ يمكن ببعض السهولة تعلم البروتوكول المتبع عند الوصول إلى مكان جديد، أما حين نختار ألا نحترمه فعندها قد يرانا أهل المكان على أننا غير مهذبين، وذلك يمكن للكثير أن يتعايش معه. التقاليد والممارسات الدينية هى الأكثر تعقيدا فى علاقاتنا مع العيب، ومع ما هو مقبول أو غير مقبول، والأكثر تركيبا فى هويتنا فى المنطقة العربية. إذ أننى كثيرا ما أسمع أحدهم فى محاضرة أو مؤتمر أو أقرأ فى نص مكتوب لأحدهم يقول: «نحن كعرب مسلمين»، وأتساءل ماذا عن العرب غير المسلمين أم عن المسلمين غير العرب الذين يعيشون بيننا ويشاركوننا هذه الأرض؟ كيف يشملهم تعريفى وتعميمى أو تعريف الكاتب وتعميمه؟
***
هل ثمة دليل عالمى نمشى وفقا له فنحترم الآخر بغض النظر عن اختلافاتنا، أنا مازلت أتعلم وما زلت أعمل على فكرة تقبل الآخر المختلف. قد أنجح أحيانا لكننى ما زلت أفشل كثيرا. تخليت فى السنوات الأخيرة، وبحكم مراقبتى لما يعد غير مقبول فى البلاد المتقدمة، تخليت عن الكثير من الردود المتعلقة بالشكل الخارجى مثلا، فبماذا نرد على من يقول «كنتِ أحلى أول» أو «هل سمنتِ مؤخرا»؟ هل فى رأى الشخص الذى قال ذلك أن لا مرآة فى بيتنا؟ تخليت أيضا عن مقاومة بعض التعليمات حول طريقة الجلوس فى حضور من هم أكبر سنا والطريقة فى الكلام معهم، وبت أصر مع أولادى على نفس التعليمات التى كنت أكرهها.
***
العيب بالنسبة لى هو عدم احترام الناس أيا كانوا. العيب هو أن أعامل من أراه أقل حظا منى بطريقة أتعمد أن تشعره بأنه أقل. العيب هو أن يكون لدى شعور باستحقاقى الحظ. العيب هو أن أقلل من قدر إنسان، أى إنسان، لأننى أختلف معه، فألجأ إلى أساليب أقل ما يقال فيها إنها مؤذية كالسخرية أو التعليق على الشكل أو الحجم أو الخلفية الاجتماعية والدينية، بهدف إبراز ما أراه أنه مختلف وبالتالى أقل قيمة. العيب فى نظرى هو التقليل من احترام من أمامى ومحاولة تصغيره. العيب هو أن أخون الثقة، أن أطعن صديق، أن أترك صديقة وحدها فى وقت تحتاجنى فيه. كل ما عدا ذلك، على الأقل فيما يخصنى، ممكن إصلاحه.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved