مقدمات صفقة القرن تدعو للإحباط والإخفاق

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الجمعة 21 يونيو 2019 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

عندما يقدم طرف ــ فردا أو دولة ــ على إطلاق مبادرة لتسوية نزاع أو صراع بين طرفين فإنه يتعين عليه أن يحرص على عدة ضمانات تجعل لمبادرته جدوى وتساعد على تحقيق النتائج المرجوة منها. ومن هذه الضمانات أن تحظى المبادرة بقبول عام من طرفى النزاع أو الصراع ليتجاوبا معها، وأن تستند المبادرة إلى معالجة النقاط الخلافية الرئيسية بين المتنازعين أو المتصارعين، وأن يسعى مطلق المبادرة طوال الوقت إلى المحافظة على التوازن فى علاقاته مع الطرفين وعدم إظهار تحيز من أى نوع لأحدهما دون الآخر، وأن يكون تعامله معهما بشفافية ونزاهة بأقصى ما يمكن. علاوة على كل ذلك يتعين أن تحظى المبادرة بقبول عام من أغلبية الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بطرفى النزاع أو الصراع.

وبالنظر إلى ما عرف «بصفقة القرن» بشأن تسوية القضية الفلسطينية، ومنذ أن تحدث عنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب منذ نحو ثلاث سنوات، فإنه يلاحظ أن الاتصالات الأمريكية سواء مع الفلسطينيين أو الدول العربية وبعض الدول الأخرى، أسفرت عن رفض الجانب الفلسطينى منذ البداية للمبادرة لإنهاء تجاهل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتجاهلت حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وتجاهلت وضع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية والقدس، وتجاهلت ترسيم الحدود للدولة الفلسطينية، وتراوحت مواقف الدول العربية ما بين الرفض والقبول والتزام مواقف وسط، أى مجاراة المبادرة. كما أن عدة أطراف دولية رأت أن ما تسرب من صفقة القرن لا يحقق ما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية من حقوق للشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة.

وراحت إدارة الرئيس ترامب على عكس كل ما هو مفترض فيمن يطلق مبادرة لتحقيق تسوية سلمية عادلة بين إسرائيل والفلسطينيين، تمارس كل ما يؤدى إلى فقدان الثقة ومزيد من الرفض من جانب الفلسطينيين حيث قامت الإدارة الأمريكية للرئيس ترامب وبتوجيه مباشر منه بالآتى:

1 ــ إحاطة صفقة القرن بمزيد من الغموض سواء من حيث مضمونها أو موعد إعلانها، وتأجيل الموعد عدة مرات حتى الآن.
2 ــ قامت بتحدٍّ سافر للفلسطينيين والدول العربية والإسلامية، وقرارات مجلس الأمن واليونسكو، بالاعتراف رسميا بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وهو قرار أمريكى مرفوض فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا.
3 ــ ضم القنصلية العامة الأمريكية فى القدس والتى كانت مخصصة للتعامل مع الفلسطينيين منذ عام 1844 وظلت منفصلة طوال الوقت عن السفارة الأمريكية فى تل أبيب بعد قيام دولة إسرائيل، لإرغام الفلسطينيين على التعامل مع السفارة الأمريكية.
4 ــ وقف جميع المساهمات الأمريكية فى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتى تبلغ سنويا نحو 350 مليون دولار أمريكى، والانضمام لإسرائيل فى المطالبة بإلغاء الأونروا وتحويلها إلى إدارة فى المفوضية السامية للاجئين. بل أبعد من ذلك توافقت إدارة الرئيس ترامب مع إسرائيل فى أن يتم توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث يقيمون سواء فى الدول العربية أو المخيمات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وأن من لهم حق العودة هم الباقون على قيد الحياة ممن فروا من فلسطين عام 1948 وتقدرهم إسرائيل ما بين 40 ــ 60 ألف لاجئ فلسطينى، بينما ترعى وكالة الأونروا ما يزيد على 5 ملايين لاجئ فلسطينى. أى أن ما تريده أمريكا وإسرائيل هو تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. وهو ما رفضه الفلسطينيون والأمم المتحدة ومعظم دول العالم.
5 ــ وقف جميع المساعدات الأمريكية التى كانت تقدم للسلطة الفلسطينية والتى كانت تمثل بندا أساسيا فى ميزانيتها المتواضعة. بل أوقفت أمريكا المساعدة التى كانت تقدمها لبعض المستشفيات الفلسطينية والتى تبلغ نحو 25 مليون دولار أمريكى سنويا.
6 ــ أغلقت إدارة الرئيس ترامب مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن والذى كان يمثل حلقة اتصال بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية ونافذة إلى الرأى العام الأمريكى عبر وسائل الإعلام الأمريكية.

***
هذا.. وتعتقد إدارة الرئيس ترامب أن كل هذه الإجراءات والعقوبات ضد السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطينى بمثابة ضغوط لإرغامهم على قبول صفقة القرن والدخول فى مفاوضات مع إسرائيل والولايات المتحدة من أجل تنفيذها وأهم بنودها كما تسرب هو إنها تستند إلى ما يعرف بالحل الاقتصادى للقضية الفلسطينية، أى البدء أولا بعملية تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة فى الضفة الغربية وقطاع غزة وفقا لخطة طموح تؤدى إلى تغيرات جذرية ونوعية فى حياة الشعب الفلسطينى وترتفع بمستوى حياته الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية، وإرجاء القضايا السياسية إلى مرحلة لاحقة أى إلى ما بعد تحقيق خطة التنمية الاقتصادية التى تمولها بسخاء دول الخليج العربية والدول الصناعية المتقدمة، واستبعاد القدس، والمستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وقضية اللاجئين، وموضوع إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، والاكتفاء بكيان سياسى تدير شئونه السلطة الفلسطينية ويبقى أمنيا تحت السيادة الإسرائيلية.

وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات الاستفزازية، والمقترحات غير المقبولة، مضت واشنطن ودعت إلى عقد ورشة عمل أو منتدى اقتصادى للتنمية الفلسطينية تحت عنوان ورشة السلام والازدهار تعقد فى البحرين يومى 25 و26 يونيو 2019 ووجهت الدعوة إلى وزراء المالية والاقتصاد العرب والدول المقترحة للمشاركة فى تمويل الجانب الاقتصادى فى صفقة القرن، ورجال الأعمال، إلى جانب صندوق النقد الدولى والبنك الدولى.

وقد رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة فى هذا المنتدى بينما قبلت عدة دول عربية المشاركة، ومنها السعودية والإمارات والبحرين المضيفة للمنتدى، ومصر والأردن والمغرب.

***
ومن أهم أسباب رفض الفلسطينيين ــ بجميع فصائلهم ــ لصفقة القرن أنها بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية، وتقايض حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بصفقة اقتصادية تخضع الفلسطينيين أكثر سواء للدول المانحة التى ستقبل المساهمة فى تمويل الصفقة والتى سيكون تدفق التمويل وفقا لما تراه وتخضعهم للسيادة الإسرائيلية التى ستحتفظ بالقدس والمستوطنات وتصفى قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وسبق أن حددت واشنطن موعدا لإعلان صفقة القرن عقب انتهاء شهر رمضان الماضى، وبعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وانتهى شهر رمضان والعيد، ولم يمكن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بدعوى خلافات بين نتنياهو ووزير الدفاع السابق ليبرمان حول إصدار قانون لتجنيد المتدينين اليهود، وهو ما أدى إلى أن يحل الكنيست الإسرائيلى نفسه ويحدد 17 سبتمبر 2019 موعدا لإعادة الانتخابات العامة وهى المرة الأولى التى يحل فيها الكنيست نفسه بعد شهرين فقط من انتخابه. ومن المنتظر أن لا يتم تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات قبل أوائل شهر نوفمبر 2019 ويكون الرئيس ترامب قد دخل فى الاستعدادات الجادة لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية وعادة ما يكون الرئيس الأمريكى خلال عام الانتخابات الأمريكية حريصا على إرضاء الجماعات والأقليات الأمريكية ذات التأثير فى نتائج الانتخابات وخاصة الأقلية اليهودية ذات السطوة المالية والإعلامية. ومن ثم فإن الرئيس ترامب إذا صدق هذه المرة وأطلق صفقة القرن فى نوفمبر 2019 أو بعدها فإنها ستكون بعد فوات الأوان وسيكون مصيرها أسوأ كثيرا من مصير خارطة الطريق التى أطلقها الرئيس الأمريكى بوش الابن وأخذ يؤجل تنفيذها إلى أن انتهت رئاسته الثانية وتبخرت خارطة الطريق.

ومن غير المنتظر أن تحقق صفقة القرن تقدما على طريق حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لأنها تجاهلت إقامة الدولة الفلسطينية والقضايا الرئيسية الأخرى المشار إليها، ولأنها مرفوضة شكلا وموضوعا من قبل السلطة الفلسطينية وجميع المنظمات الفلسطينية والشعب الفلسطينى. فكيف ستطبق؟ وهل ستطبق بالقوة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved