صعوبة أن يكون المرء موضوعيًا!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 21 يونيو 2019 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

قبل أيام قرأت على صفحة أحد الزملاء بالفيسبوك العبارة أو الحكمة التالية: «طول ما مبادئك لم تختبر، فاحمد ربنا على نعمة الستر، واعرف انه مفيش داعى للفخر بيها.. فلعلها ان اختبرت سقطت!!».

تقديرى إنها عبارة صحيحة تماما، وللأسف لا يريد الكثير من الناس تصديقها أو العمل بها.

وقبل شهور سمعت الحكاية التالية:
مجموعة من الناس يتحدثون طوال الوقت عن المبادئ، ومقاومة الفساد فى كل مكان. لكن ذات يوم تم اتهام قريب لهم فى واقعة تمس سمعته وكرامته. هم انحازوا فورا لنصرة هذا القريب، قبل أن يعرفوا إن كان بريئا أم لا!!

بهذا السلوك فإن هذه المجموعة نسفت كل ما تدعيه عن إيمانها بالقيم النبيلة، ويصعب تصديق حديثها عن أى موضوعات مشابهة فى المستقبل. لماذا؟ لأنه من السهل جدا أن نطالب بتطبيق القيم والمبادئ على الآخرين، طالما هم موجودون بعيدا عنا.

العبرة الحقيقية أن نطبق هذه القيم على أنفسنا وعلى أحبائنا، حينما يكونون فى اختبار أو محنة صعبة. لو فعلنا ذلك، فسنصبح فعلا مبدئيين وأخلاقيين، وربما نتذكرالقول المنسوب للسيد المسيح عيسى عليه السلام «اللهم لا تدخلنا فى التجربة».

ويعرف معظمنا: الحديث الشريف عن السيدة المخزومية فاطمة بنت الأسود، التى سرقت، فقالوا من يكلم رسول الله «ص» فيها، أى ليتوسط لها، فقال البعض: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد!! الرسول قال ردا على طلبه: «أتشفع فى حد من حدود الله، إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!».

الموضوع بعبارة أخرى، هل لو أخطأ زميل أو صديق أو قريب لك تنقده أم تطنش؟! هذا هو جوهر الأمر!!

وكيف يمكن للإنسان أن يتحدث عن الموضوعية إذا كان لا يطبقها على نفسه وعلى من يحب؟!

وهل منطق الشلة يجعل الإنسان «يطنش» إذا جاءت الأخطاء من محبيه؟!

هذه الأسئلة خطرت على بالى فى الأيام الأخيرة، لأن كثيرين صاروا يفصلون المعايير والمبادئ، حسب المقاس الذى يناسبهم وليس حسب المبدأ!!!

وهناك بيت شعر شهير جدا يقول:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. ولكن عين السخط تبدى المساويا!!!

نردد دائما القول: «إن الرجال يعرفون بالدين، وليس الدين يعرف بالرجال»، وفى رواية أخرى: «وإن الحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يعرفون بالحق». الحكمة هى ضالة المؤمن، إن وجدها فهو أحق الناس بها. للأسف هذه المعانى البديهية صارت صعبة هذه الأيام، ويندر كثيرا أن نجد من يطبقها على أرض الواقع.

لا أكتب عن شخص أو جهة معينة، لكن يحزننى أكثر، أن بعضا ممن ينادون بتطبيق هذه القاعدة، هم أحيانا أول من ينتهكها!.

لا أعرف هل شيوع هذه القيم بسبب حالة الاستقطاب التى نعيشها، أم بسبب نقص الحريات، أم بسبب أعراض وسائل التواصل الاجتماعى، التى جعلت الناس تستسهل، أو تصدق أى شىء، أم ن هناك صعوبة لأن يكون المرء موضوعيا؟!

ظنى أن العوامل السابقة كلها مجتمعة، ربما تكون هى السبب فى شيوع هذه الظاهرة.

لكن خطورة هذه القيم السلبية أنها تجعل الأجيال الجديدة لا تؤمن إلا بمنطق القبيلة، وتردد قول الشاعر الجاهلى دريد بن الصمة من قبيلة هوازن، وهو الذى قاتل المسلمين فقتل فى موقعة حنين:
«هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت.. وأن ترشد غزية أرشد!!!».

نحتاج إلى أن نغرس فى نفوس أولادنا فضيلة الموضوعية والصدق والنزاهة، وعدم الاجتراء أو الفبركة أو التشويه، وكلها صفات تتعرض لانتهاكات واسعة فى وسائل التواصل الاجتماعى فى الفترات الأخيرة.

هذه المأساة ليست قاصرة على شخص دون آخر، أو جهة دون أخرى، أو حكومة دون معارضة، هى للأسف صارت مثل فيروس الإنفلونزا فى عز الشتاء. والنتيجة الحتمية هى أجيال مشوشة التفكير، سوف ينطبق عليها ما رواه أبوهريرة: «يبصر أحدكم القذاة فى عين أخيه، وينسى الجذل أو الجذع أو «الخشبة» فى عين نفسه».

نسأل الله أن يرزقنى وإياكم فضيلة الصدق والموضوعية، ومعرفة الحق، حتى لو كان ضدنا ويخالف ما نؤمن به!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved