الأب يريد فقط أن يساعد

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الإثنين 21 يونيو 2021 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع The Atlantic مقالا للكاتب أرثر برووكس يرى فيه أن ما يقوم به الأب من تضحيات وما يتحمله من ضغوط لا يزيده إلا سعادة، واعترافنا بما يبذله الأب من جهود سيجعلنا جميعا سعداء... نعرض منه ما يلى.

كان والدى رجلا كريمًا ولطيفًا، لكنه غالبًا ما كان كئيبا. كانت تزعجه توافه الأمور وأعظمها، سواء مصير العالم أو الماء فى القبو. أتذكر مرتين بدا فيهما سعيدا. الأول عندما تولى وظيفة جديدة لقيادة حافلة، بدلا من وظيفته الأولى التى لن تلبى احتياجاتنا. الموقف الثانى أتى بعدها بسنوات عندما قرر التقدم فى حياته المهنية ــ مرة أخرى لصالح عائلتنا ــ من خلال حصوله على الدكتوراه. خلال كلتا الفترتين، كان منهكًا ومرهقًا، لكنه ابتسم وضحك أكثر من المعتاد، وبدا غير منزعج من الأمور الصغيرة والمآزق الكبيرة التى عادة ما كانت تحبطه.
كان هذا يبدو دائمًا متناقضًا بالنسبة لى؛ كانت تسيطر عليه التعاسة إذا وقع تحت ضغط بسيط بسبب المال أو الوقت، ولكنه يصبح سعيدا إذا زادت عليه ضغوطات أخرى. هذه المفارقة لها تفسير، وفيها سر سعادة للآباء والآباء المحتملين وكل شخص آخر.
•••
تظهر العديد من الأبحاث أن فى العديد من مناطق العالم الصناعية يختار الرجال إنجاب عدد أقل من الأطفال بالإضافة إلى تأخيرهم لقرار الإنجاب. هذا يعكس بالأخص الرجال ذات مستويات تعليم مرتفعة. لا شك أن هذه القرارات مرتبطة بالأعباء الاقتصادية للتربية والتعليم، ولكنها أيضا تعكس حقيقة أن تأخير الإنجاب أو التخلى عنه أصبح مقبولا اجتماعيا أكثر من ذى قبل. عندما كنت صبيا أذكر أن أبى قال لى مرة أنه «لم يخطر على بال المرء فى الستينيات أنه يمكن اختيار عدم الإنجاب».
الأبوة، مثل الأمومة، تتطلب تضحيات اقتصادية واجتماعية. لكن، من بعد آخر، فالأبوة بالنسبة للرجل العادى هى مصدر ضخم للسعادة. فى إحدى الدراسات المنشورة فى مجلة Psychological Science فى عام 2012، وجد الباحثون أن الوالدين يتمتعان بمستويات أعلى من السعادة والعواطف الإيجابية وإيجاد معنى لحياتهما أكثر من غيرهما ــ خاصة بالنسبة للآباء. وبالمثل، وجد الباحثون فى عام 2001 أن الرجال الذين عاشوا مع أطفالهم الصغار أو رافقوهم خلال مراحل عمرهم المختلفة كان لديهم رضاء أعلى بكثير عن الحياة وكانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجال الذين لم ينجبوا أو عاشوا بعيدا عن أطفالهم الصغار.
بالإضافة إلى كونهم أكثر سعادة، يعمل الرجال الذين لديهم أطفال أكثر بكثير من الرجال الذين ليس لديهم أطفال، على الرغم من أن وقتهم يكون مقيدًا بالحياة الأسرية. وفقًا لدراسة عام 2001، عدد ساعات عمل الرجال الذين يعيشون مع أطفالهم، فى المتوسط، أكثر من الرجال الذين ليس لديهم أطفال بحوالى 6.6 ساعة أسبوعيًا، وساعتين أكثر من الرجال الذين لا يعيشون مع أطفالهم. ومع ذلك، لا يبدو أن التأثير على وقت الفراغ يزعج معظم الآباء؛ بل على العكس، فوفقًا لدراسة أجرتها كلية بوسطن عام 2016، فإن جيل الألفية من الآباء يرون أن ظروف حياتهم ممتازة أكثر ممن لم يصبحوا آباء.
أحد التفسيرات المعقولة هو أن الرجال السعداء الذين يعملون بجد هم الأكثر عرضة لأن يصبحوا آباء. لكننى أعتقد أن التفسير المحتمل أيضًا هو أن العمل الجاد الذى يوفر ما يحتاجه أحباؤنا يجلب السعادة. يتماشى هذا مع مجموعة من الأدلة يطلق عليهم علماء النفس «نشوة المساعدة»، وهو ذاك الشعور الجيد الذى نشعر به عندما نضحى من أجل الآخرين. فى إحدى الدراسات فى مجلة Nature Communications، وفى تجربة للعطاء، توصل الباحثون إلى أن المشاركين أظهروا قدرا أكبر من السعادة عندما تصرفوا بإحسان. فالتضحية من أجل الآخرين ــ وخاصة أولئك الذين تحبهم كثيرًا ــ يعد دواء طبيعيا للسعادة.
هذا من شأنه أن يفسر التناقض الذى رأيته فى والدى. من الواضح أن نشوة المساعدة يمكن أن تصبح مرهقة إذا تحمل الإنسان فوق طاقته. تُظهر الكثير من المؤلفات الصعوبات التى يواجهها أفراد الأسرة عند رعاية أحبائهم ذوى الاحتياجات الخاصة، أو عند تعرضهم لأزمات مالية شديدة. لكن فى ظل الظروف العادية، عندما نترك مناطق راحتنا ونسعى لخدمة الآخرين بدلا من ذلك، يمكننا أن نجد سعادة أكبر.
•••
هناك ثلاثة دروس عن السعادة ظهرت مع الأبحاث حول الأبوة والتضحية. أولا، إذا كنت تريد أطفالًا، فلتحصل عليهم. فالخوف من فكرة أن يصبح الشخص أبا تؤثر سلبيا على رفاهة الشخص. وفكرة أنه من الأفضل أن يظل المرء بلا أطفال هى فكرة خاطئة. لكل شخص تجربة مختلفة فى الأبوة اعتمادًا على العديد من العوامل، بما فى ذلك جودة الشريك والحياة الزوجية. ولكن إذا تساوت كل الأشياء، فإن الأبوة استثمار ممتاز فى السعادة.
ثانيًا، لا تقاوموا العمل والتضحية اللذين يستتبعان الأبوة. غالبًا ما أشعر بالاستياء عندما تجذبنى المسئوليات العائلية بعيدًا عن أولوياتى الشخصية، والتى عمومًا تجعلنى أرغب فى العمل أكثر. لكن هذا الاستياء لا يعنى أنك غير سعيد. إذا كنت تجد نفسك أحيانًا تشعر بالمرارة قليلا بشأن الاضطرار إلى رعاية أطفالك، فجرّب استراتيجية «الإشارة المعاكسة»؛ عندما تكون منزعجًا من أن احتياجات الأسرة تغزو رغباتك الشخصية، فاعتبرها علامة على أنك بحاجة إلى التركيز أكثر على الأسرة وليس أقل.
إذا كان الأب أبا صالحًا، فإنه يستحق أن يعرف ذلك، وهو ما يقودنا إلى الدرس الثالث: يمكنك أن تجعل والدك أكثر سعادة من خلال الاعتراف بما يقوم به وشكره على ما يقدمه للعائلة من خدمات. علاوة على ذلك، سيحسن هذا الاعتراف بالجميل من علاقتكما وسيجعلك أكثر سعادة. ربما لديك نوع من الأب الذى لا يأخذ مثل هذا الاعتراف بصدر رحب («وما الذى كنت تظن أن على فعله ــ أترك أطفالى يتضورون جوعا). ولكن هذا لا يهم. فالشكر سيكون قد وصل، وستتحسن علاقتكما.
هذه الدروس تقدم خريطة للأبوة، ولكنها لن تسهل من الأمور بالضرورة. فالآباء وأطفالهم لن يتمتعوا بعلاقة مثالية أبدا.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved