مَنصات ومنابر

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 21 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يتكرر الحديث حول غرابة رمضان هذا العام، وكيف تتجنب الأسر العزائم نظرا للحساسيات والانشقاقات داخل العائلة الواحدة أو بين المعارف والأصدقاء. والسبب قطعا: الثورة والسياسة، والانقسام الطبيعى للأفراد بين مؤيدين ومعارضين. تنطلق النوادر والحكايات حول الإفطار الذى انتهى بشجار أو بانسحاب المدعوين بعد خلاف فى الرأى. وقد يتسبب ذلك فى تغيير مسار حياة بالكامل، كما هو الحال فى سوريا وبلدان الربيع العربى الأخرى، حينما نقرأ فى الصحف مثلا عن زواج لم يتم فى حلب لأن أهل العريس من أنصار بشار بينما انضمت العروس وأسرتها للثورة منذ البداية، ثم تعرفت الممرضة الشابة على قناص الكتيبة خلال الأحداث وتزوجا تحت القصف فى المستشفى الميدانى، وتصبح روايتهم مجرد مادة للإعلام والكتابة حول مسارات البشر التى تتحول بسبب السياسة، أو تلهم قصة حب على شاكلة «الحب فى زمن الكوليرا» بنكهة عربية.

●●●

قد يُؤثر البعض السلامة فيفضل عدم الرد على مكالمات الأقارب أو يعاملهم بجفاء كى لا يدع مجالا للاشتباك. وفى أحسن الظروف عندما تمر الوليمة ومرحلة الأكل بسلام يحاول البعض عدم إشعال التليفزيون لمتابعة الأخبار، فالإعلام من شأنه أن يؤجج الصراع، لأنه فى معظمه لا يلتزم الحيادية، وحتى لو قلنا إن «الموضوعية» هى خرافة كالعنقاء وطائر الرخ، فلنتكلم بالأحرى عن المهنية وقواعدها، التى ضرب بها بعض الصحفيين عرض الحائط، عندما يعلق أحد المذيعين خلال برنامجه أنه لا يرغب فى رؤية مشهد المعتصمين فى رابعة طالما هو على الهواء، أو يحرض آخر على السوريين والفلسطينيين، أو يُكفر القابض على الميكروفون المصلين فى بيوتهم، إلى ما غير ذلك. كيف يمكنك أن تفهم ما يحدث على أرض الواقع إذا لم تنظر إلى ما يجرى هنا وهناك، فى رابعة أو على منصات أخرى؟ كيف تستمر فى التعامل مع الآخر «المجهول» بالنسبة لك وبالتالى يزداد خوفك منه؟ وربما تتفاقم التساؤلات لتمتد إلى فلسفة الصيام هذا العام والغرض منه، ونحن نسفك الدماء فى الشوارع وننجرف إلى العنف ومعارك الكر والفر ولا نرقى لمستوى التسامح والتراحم وضبط الذات.

●●●

الأطراف المختلفة تعتمد الطرق التقليدية فى «شيطنة» الآخر، وفى الوقت نفسه تطرح فكرة المصالحة. نخلق نوعا من الميلودراما على طريقة مخرج الروائع حسن الإمام الذى كان الأقرب لفهم العقلية المصرية، نلهب العواطف ونشحذ الهمم، نبسط الأمور بشكل مُخل لكى تظهر صور نمطية يتم ترسخيها على الجانبين، وباتباع أساليب «البروباجندا» أو الدعاية السياسية نفسها. نطرح صورا لمآسٍ إنسانية متحركة وضحايا بريئة: من تم بتر إصبعه أو فقد عينه بالخرطوش، شبح الموت الذى يخيم على المكان...آثار تعذيب وناس يقضون ليلهم رُكعا.. ويتم كذلك تسليط الضوء على فكرة «المأجورين» ــ وأكرر على الجانبين ـ فهؤلاء عملاء للغرب وهؤلاء للتنظيم الدولى، وغيرهم مجرد لاجئين «غلابة» يتراوح أجرهم بين خمسمائة وخمسة آلاف جنيه.. لا أحد يذكر تحليلا معمقا بخصوص عملية «تجنيد وتنقية» عضو جماعة دينية ما وكيف لا يمكنه أن ينسلخ عن جلده بين لحظة وأخرى.. نكتفى بالكلام عن انتشار الجَرب والجزام بين المعتصمين، دون دليل، كما كان البعض يتحدث عن «القلة المندسة» و«الطرف الثالث»... وتتكرر الروايات وتتنوع الشهادات لتؤكد على المعنى نفسه وتفرز تنميطا بغيضا للبشر على أساس النوع واللون والدين.. ونرى فى الصورة ما ليس فيها لأننا مؤهلون لذلك، وهو ما طرحته فى دراسة بعنوان «الأفكار المسبقة» الباحثة الأكاديمية روث أموسى، عندما عرضت صورة لفيلا فاخرة على مجموعة من الشباب الأمريكى، ثم سألتهم: ماذا كانت تفعل السيدة السمراء فى الصورة؟ فردوا دون استثناء: كانت تنظف المنزل. فى الحقيقة لم تكن هناك سيدة سمراء فى الصورة، ولكن ردهم التلقائى جاء بسبب ما ترسخ فى أذهانهم حول «السود» الذين يعملون كخدم، لم يستطع الأفراد الذين أجريت عليهم العينة أن يفكروا فى أن السيدة السمراء قد تفعل شيئا آخر داخل البيت الفخم.. اللهم اكفنا شر التنميط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved