بل هى الخيانة العظمى

أيمن النحراوى
أيمن النحراوى

آخر تحديث: الأحد 21 أغسطس 2011 - 8:41 ص بتوقيت القاهرة

 بدا مشهد محاكمة الرئيس السابق على بعض ما اقترفه من جرائم هو وأبناؤه ووزير داخليته ومساعدوه، مشهدا رهيبا فى لحظة تاريخية فارقة لحدث لم يشهده هذا الوطن طوال سبعة آلاف سنة من تاريخه ظل خلالها الحاكم هو القاضى والجلاد فى حين كان الشعب هو الضحية وهو دوما المفعول به قسرا وغصبا، قناعة أو طوعا، فى هذا المشهد كانت أرواح ألف شهيد تحلق فى سماء مصر راضية مرضية فى اللحظة التى دخل فيها الطاغية وأبناؤه وزبانيته الى قفص الاتهام ليواجهوا جزاء ما اقترفت أيديهم من بعض جرائمهم فى حق مصر وشعبها ومستقبلها.

واعتبارا لأن القضاء المصرى العظيم انما يحكم استنادا الى نصوص القانون ومواده ولما كانت أحكامه لا تقوم على الشبهة أو الشك بل تقوم على الجزم واليقين، فبشأن جريمة قتل الثوار فإن الإدانة من عدمها تعتمد اعتمادا كليا على ما تحمله الأوراق من دليل إدانة وعلى ما تتضمنه أقوال الشهود، وهى جميعا اذا افتقرت إلى دليل دامغ على أن الرئيس المخلوع أصدر أوامر مباشرة أو غير مباشرة للقتل أو سكت عنها فيمكن عندئذ أن نتوقع أن تحكم المحكمة بالبراءة.

أما عن جريمة استغلال النفوذ والكسب غير المشروع واعتبارا للحكم الصادر عن محكمة النقض لسنة 2004 فى قضية محافظ الجيزة الأسبق عبدالحميد حسن والذى يفيد بعدم دستورية قانون الكسب غير المشروع لأنه يؤدى إلى قلب قرينة البراءة المنصوص عليها فى الدستور ، فبدلا من أن يكون المتهم بريئا حتى تثبت إدانته ..فإن هذا القانون يكلف المتهم بإثبات البراءة وإلا يعتبر مدانا وهذا مخالف للدستور، لذلك فهناك احتمال قوى بأن كل قضايا الكسب غير المشروع التى ستحال إلى محكمة الجنايات سواء باتهامات ضد الرئيس ونجليه وأركان نظامه يحكم فيها بالبراءة لهذا السبب، وحتى زوجته إذا ثبت عدم تورطها فى شىء فمن الممكن فى حالة إعادتها للأموال أن تحصل على حكم مع إيقاف التنفيذ لظروف سنها.

ويضاف إلى ما سبق أن اقتصار محاكمة الرئيس على الجرائم الثلاث دون التطرق الى غيرها من الجرائم الفادحة فى حق الوطن يمثل علامة استفهام كبرى اذ إن فى ذلك اختزال لسجل اجرامى مارسه النظام السابق وأركانه فى حق الوطن ومقدراته، بعلم رئيسه وموافقته ومسئوليته كرئيس للجمهورية التى أقسم اليمين الدستورية وأقسم بالله العظيم أن يحترم الدستور والقانون وأن يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن يحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، وهو بالفعل قد فعل عكس كل ذلك وحنث بيمينه أمام الله والوطن وارتكب واركان نظامه من الجرائم طوال 30 سنة ما يرقى الى الخيانة العظمى.

وهو ما يتطلب محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى وتفعيل القانون 247 لسنة 1956 الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء الذى يقضى بمعاقبة رئـيس الجمهورية بالإعدام او الاشغال الشاقة المؤبدة اوالمؤقته اذا ارتكب عملا من اعمال الخيانة العظمى أو عدم الولاء للنظام الجمهورى وذلك بفعلين الأول هو العمل على تغيير النظام الجمهورى إلى ملكى وهو ما قام به بالفعل فى عملية التوريث ، والثانى هو وقف كل أو بعض دستور الدولة، أو تعديل أحكامه دون اتباع الإجراءات، وهو أيضا ما فعله الرئيس السابق الذى عطل معظم أحكام الأبواب الثلاثة الأولى من دستور 1971، أو أوقفها، أو لم يأخذ بها ، وخالف الكثير من مواده وأهدرها.

أما بشأن أركان نظامه فيتطلب الأمر محاكمتهم من خلال تفعيل القانون ٧٩ لسنة ١٩٥٨ الخاص بمحاكمة الوزراء، بجريمة الخيانة العظمى ومخالفة الأحكام الأساسية فى الدستور، وكذلك جرائم التأثير فى أثمان البضائع أو العقارات أو الأوراق المالية واستغلال النفوذ للحصول على فائدة أو ميزة للنفس أو للغير من أى سلطة عامة، أو أى هيئة، أو شركة، أو مؤسسة، ولا نبالغ إذ نقول إن معظم رؤساء الوزارات والوزراء وكبار المسئولين فى عهده الميمون قد أتوا بما أوردته نصوص ذلك القانون بجرائمهم وأفعالهم.

إن الأمر سيتطلب سنوات طويلة قادمة لالتئام الجروح الغائرة فى جسد الوطن وهى مهمة صعبة نحن قادرون عليها بإذن الله، لكن الأصعب هو مهمة محاكمة من أحدثوا هذه الجروح وأثكلوا مصر فى زهرة شبابها والله نسأل لهم الرحمة ولبلادنا الرفعة والتقدم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved