ليست اتفاقية أرثوذوكسية

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 21 أغسطس 2011 - 8:54 ص بتوقيت القاهرة

 نريد أن نرفع القداسة عن اتفاقية كامب ديفيد، ونتعامل معها باعتبارها عملا بشريا يؤخذ منه ويرد، طبقا لما تقتضيه المصلحة العليا لمصر. أدرى أنها اتفاقية دولية، وأنها تمت فى ظل موازين قوة أو موازين ضعف معينة، كما أننى أؤيد أنها لا ينبغى أن تكون موضوعا للعبث والمزايدة ولا محلا للمغامرة. لكن ذلك لا ينبغى أن ينفى عنها بشريتها أو إخضاعها لاعتبارات المصلحة العليا.

أقول هذا الكلام بمناسبتين، الأولى ما نشرته صحف أمس (السبت 20/8) على لسان الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق فى لقاء له بمدينة طنطا أن من يتحدثون عن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد لا يدركون عواقبها، وأنهم فتوات يمارسون «الفتونة» فى غير مكانها، وقوله إن موضوع الإلغاء مستحيل لأننا وقعنا الاتفاقية بشهادة العالم وتحت سمعه وبصره. أما المناسبة الثانية فهى ما يحدث الآن فى سيناء، والحملة التى تباشرها أجهزة السلطة المصرية لاستعادة الأمن وضبط المجموعات التى تباشر أعمال عنف غير مشروعة هناك. وهى الحملة التى تتابعها إسرائيل وتحدثت عن أنها «سمحت» بإدخال تعزيزات أمنية مصرية لمساندتها وقد استشعرت وخزا ومرارة حين تكرر ذلك التصريح فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، لاننى مازلت غير قادر على تصديق فكرة استئذان إسرائيل كلما أرادت مصر أن تعزز وجودها الأمنى فى سيناء، التى مازالت جزءا لا يتجزأ من تراب مصر الخاضع لسيادتها.

أدرى أن ذلك أمر قررته الاتفاقية المذكورة، إلا أننى أفهم أيضا أنه من الأمور المعيبة التى لا ينبغى السكوت عليها واحتمالها طول الوقت. وربما كانت مما ينبغى إعادة النظر فيه يوما ما.

أوافق تماما على أن ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية له حساسيته، وينبغى التعامل معه بحذر شديد، الأمر الذى ينبغى أن يستبعد دون تفكير أى خطوة غير محسوبة، أو أى إجراء لا تؤمن عواقبه أو يكون الضرر فيه أكثر من النفع. كما أننى أفهم أن التصدى لمختلف ملفات السياسة الخارجية له شروطه التى ينبغى استيفاؤها أولا. وفى مقدمتها قوة وثبات الموقف الداخلى، سياسيا واقتصاديا بالدرجة الأولى.

لكنى لا أوافق على الإطلاق على أمرين أولهما أن نصبح عبيدا للاتفاقية. بحيث يظل دورنا محصورا فى الانصياع والامتثال لها. رغم ما قد تشوبه بعض بنودها من إهدار للمصالح العليا. وثانيهما أن نحيط الاتفاقية بهالة من القداسة، تجعل من المستحيل الاقتراب منها من أى باب. ثم إننى أضيف أمرا ثالثا هو أن خياراتنا فى التعامل مع أى اتفاقية مهما كان استكبار أو صلافة أى طرف لها لا تتراوح بالضرورة بين الإلغاء أو الانصياع. لأن هناك خيارا ثالثا واسع المجال يتمثل فى تعديل بعض بنودها التى يتبدى فيها الإجحاف والظلم. ذلك أننا إذا كنا نرفض المغامرة بالإلغاء. فإننا نرفض أيضا استمرار ما فيها من إجحاف، قبلته مصر فى ظروف معينة قبل ثلاثين عاما، وهذه الظروف طرأت عليها متغيرات فى بنية المجتمع المصرى وتركيبته السياسية ينبغى أن توضع فى الاعتبار.

قبل أسابيع قليلة هدد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بإلغاء اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، ردا على قرار السلطة فى رام الله التوجه إلى الأمم المتحدة وطلب الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة. وتحدثت التقارير الصحفية عن دراسات تجرى فى إطار الخارجية الإسرائيلية لتداعيات هذه الخطوة وآثارها، ولم يقل أحد أن أوسلو مقدسة أو أنه يستحيل الاقتراب منها، لأنها صنعت تاريخا جديدا فى علاقات الإسرائيليين بالفلسطينيين، ولكن الموضوع لايزال محل مناقشة فى وسائل الاعلام الإسرائيلية.

إذا قال قائل إن نتنياهو لوح بهذا القرار وهو مدرك انه فى موقف القوة، فلن أختلف معه وأعتبر هذه الحجة مؤيدة لما أدعو اليه، من ضرورة التمكن من اسباب القوة التى تمكن صاحب الحق من ان يجهر بحقه ويدعو إليه، بحيث يكون واثقا من ان كفة المصلحة ستكون أرجح من الضرر أو المفسدة، علما بأننى لا أتحدث عن الغاء اتفاقية كامب ديفيد (وهو ما أتمناه)، وإنما أتحدث عن الاستعداد لمراجعة بعض بنودها وصياغتها بصورة تكون اكثر اتفاقا مع المصلحة الوطنية المصرية، أقول ذلك دون ان اخفى اقتناعا بأن تلك الاتفاقية تتحمل قسطا كبيرا من المسئولية عن انكسار مصر وتقزيمها كما تتحمل المسئولية عن التفريط فى حقوق الفلسطينيين وفتح الباب لتصفية القضية.

لو أن الفريق شفيق حذر من التهور فى التعامل مع الاتفاقية، وقال إنها يمكن أن تقرأ وتراجع بعض بنودها فى ضوء المصلحة العليا لمصر. لكان أكثر توفيقا وأحكم. لكن كلامه عن استحالة الاقتراب منها وتصويرها بحسبانها اتفاقية أبدية وأرثوذوكسية لا نملك إلا أن نقبل بها كما «أنزلت» يسىء إليه كسياسى يطرح نفسه مرشحا لرئاسة الجمهورية. وإذا ما أصر على موقفه هذا فإنه سيخسر صوتى على الأقل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved