خلل فى الأولويات

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 21 أغسطس 2014 - 7:25 ص بتوقيت القاهرة

يبدو أننا أمام قيادة سياسية تعانى خللا واضحا فى الأولويات حيث عاد المصريون إلى عصر «لمبة الجاز» بسبب أزمة الكهرباء الطاحنة فى الوقت الذى تتحدث فيه القيادة عن مشروعات قومية عملاقة لم يقل لنا المسئولون كيف ومن أين سيتم توفير الطاقة اللازمة لها.

ففى حين تحشد الدولة كل قدراتها المادية والإعلامية والسياسية من أجل الترويج لأحلام تحويل منطقة قناة السويس إلى «سنغافورة أو هونج كونج»، ولأحلام استصلاح مليون فدان خلال العام الحالى وبناء مليون شقة خلال خمس سنوات، لم يظهر رجل رشيد فى دوائر الحكم لكى يسأل: ومن أين سيتم توفير الطاقة لهذه الأحلام؟

لقد سخرنا، وكان لنا كل الحق، من الرئيس المعزول محمد مرسى عندما قدم تبريرات ساذجة لأزمة انقطاع الكهرباء ونقص البنزين والسولار خلال سنة حكمه البائسة، لكننا الآن نرى تجاهلا كاملا من الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذه الأزمة التى تضاعفت حدتها خلال شهور حكمه القليلة فلم يخرج علينا بتصريح ولا توضيح باستثناء ما يرويه عنه الوزراء.

إن الرغبة الجامحة فى تحقيق زعامة شعبوية أصابت رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى ومن حوله بخلل واضح فتجاهلوا الأوضاع الكارثية التى يعيشها المصريون يوميا واندفعوا وراء إطلاق مشروعات يرى البعض أن منها ما هو خيالى مثل زراعة 4 ملايين فدان جديدة خلال 4 سنوات، ومنها ما يراه البعض غير لازم مثل حفر قناة فرعية إلى جانب قناة السويس لزيادة طاقتها الاستيعابية على أساس أن القناة تعمل حاليا بنصف طاقتها فقط نتيجة تغييرات واضحة فى نمط التجارة العالمية، وبالتالى لا تحتاج إلى توسيع على الأقل فى الوقت الراهن.

ومع رغبة الرئيس السيسى فى ترسيخ زعامته الشعبوية التى اكتسبها بانحيازه كوزير للدفاع إلى الأغلبية الشعبية الرافضة لحكم الرئيس المعزول محمد مرسى، نرى تواطؤا إعلاميا وسياسيا واضحا مع الرجل، فلا نرى أحزابا تتحدث عن عودة مصر إلى «عصر الظلمات» ولا نرى إعلاما يتحدث عن عيوب مشروع تنمية قناة السويس وكأننا أمام مشروع «منزل من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»، ولم نر من يتكلم أن «عدالة القمامة» التى لم تميز أكوامها المتراكمة بين الأحياء الفقيرة والأحياء الراقية.

قد يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى مخلصا وصادقا فى أحلامه الكبيرة، ورغبته فى كتابة اسمه إلى جانب أصحاب مشروعات النهضة الكبرى من محمد على إلى جمال عبدالناصر. لكن الإخلاص والنوايا الحسنة وحدها لا تكفى، فالطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا.

إن تجاهل أزمة الكهرباء التى تشتد يوما بعد يوم، يهدد كل الأحلام الكبرى بالانهيار، لأن المستثمرين الذين نراهن عليهم ليعمروا منطقة قناة السويس ويستصلحوا ملايين الأفدنة ويقيموا المصانع والشركات لن يفكروا فى القدوم إلى دولة تنقطع فيها الكهرباء أكثر من 6 ساعات يوميا رغم أن الطلب على الكهرباء اليوم عند أدنى مستوياته النظرية بسبب حالة الاقتصاد المتردية. فالمستثمر سيفكر ألف مرة قبل أن يقيم مشروعا قد لا يعمل لأنه لن يجد الكهرباء، والسائح المنتظر لن يأتى لكى «يسيح» فى شوارع مظلمة ومقاهٍ مضاءة بالشموع، وفنادق بلا كهرباء.

وأخيرا هناك درس من التاريخ يقول إن الخديو إسماعيل أراد بإخلاص جعل مصر قطعة من أوروبا، لكنها انتهت معه «مستعمرة أوروبية» لأن الأولويات الخطأ قد تقود إلى نتائج خطأ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved