شروط تعديل الدستور غير متوفرة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 21 أغسطس 2017 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

تستند وجهة نظر المطالبين بإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور، إلى أنه تم كتابته بـ«حسن نية»، وهو ما يفهم منه أن الكثير من مواده غير صالحة للتطبيق، والتى تبين فيما بعد ــ طبقا للنائب إسماعيل نصرالدين ــ أن هذه المواد «حسنة النية» تتعلق بتعديل المادة 140 لمد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلا من 4 سنين، والمادة 147 لمنح الرئيس الصلاحية المطلقة فى عزل الوزراء بدون الرجوع للبرلمان، والمادة 107 المتعلقة بحق محكمة النقض فى الفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان، مع إضافة مادة جديدة إلى الدستور تتعلق بعودة مجلس الشورى مرة أخرى، دون أن يكشف لنا «نصر الدين» والعديد من قيادات ائتلاف دعم مصر ومن السياسيين والحزبيين والإعلاميين الذين تبنوا موقفه، ما هى بالضبط الضرورة العاجلة التى تدفع بهم للمطالبة بهذه التعديلات فى سنة الانتخابات الرئاسية؟ وأين كان النائب ومن معه طوال السنوات الثلاث الماضية؟ ولماذا أقسموا على احترام دستور لا يؤمنون به، ولا أقول يتحينون الفرصة لتعديله؟!

كان ينبغى على المؤيدين لهذه التعديلات، أن يطالبوا أولا بتفعيل مواد الدستور المعطلة أو التى يتم انتهاكها، وهى كثيرة ومتنوعة وتنسحب على العديد من المجالات، منها ما يتعلق بالنسب المخصصة للتعليم والصحة من الموازنة العامة، أو سعى الدولة للقضاء على الفقر وتحسين مستوى معيشة محدودى الدخل، أو التى تحمى حقوق وكرامة المساجين والمعتقلين، أو التى تضمن صيانة حرية الرأى والتعبير، أو الحق فى التظاهر والإضراب السلمى، أو التوازن بين السلطات ومشاركة رئيس الوزراء مع رئيس الجمهورية فى وضع السياسة العامة للدولة، أو احترام أحكام القضاء، وغيرها من المواد.

أما الجانب الأخطر ــ أو ربما الكارثى ــ فى هذه التعديلات المقترحة، فيتمثل فى أنها تضرب روح الدستور فى مقتل، حيث تعصف هذه التعديلات بمبدأ التوازن بين السلطات والذى يمثل عصب الدولة الحديثة وضمان حسن سيرها وسلوكها الديمقراطى، وحتى لا تطغى أو تهيمن سلطة ما على بقية السلطات، فالدستور الذى وضع قيودا على تغول السلطة التنفيذية على كل سلطات ومؤسسات الدولة الأخرى والذى كان عرفا سائدا منذ ثورة 23 يوليو 52، وكان من أفدح أخطائها، جاءت هذه التعديلات لتعيدنا إلى المربع الأول، وكأن المطالبين بها لا يدركون أن هذا التغول كان وراء هزائمنا فى 67، وفى انكساراتنا المتتالية فى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، وعجزنا عن بناء دولة الكرامة والقانون ووقف الفساد وتحقيق التنمية المستدامة!

بكل هذه المعانى، فإن هذه التعديلات هى محاولة يائسة تستهدف دق المسمار الأخير فى نعش ثورة يناير، واستعادة ميراثنا السياسى المعادى لكل القيم الديمقراطية، ومحاولة تقنينه وإسباغ الشرعية عليه!

عندما يتطوع أحد النواب بتقديم طلب بإجراء تعديلات تنزع عن المؤسسة التشريعية العديد من صلاحياتها، فإن موافقة البرلمان عليها تضعه فى مواجهة تساؤلات تهدد مصداقيته، وتشكك فى قدرته ــ أو رغبته ــ فى القيام بدوره، وقبل ذلك كله تنتقص من شعبيته، وتجعله على المدى المنظور عبئا ثقيلا على السلطة التنفيذية، بل وعلى نظامنا السياسى كله، بما قد يفتح الباب أمام هبات جماهيرية فوضوية، لا ترى فى مؤسساتنا السياسية والحزبية منفذا للتعبير عن قضاياها والمطالبة بحقوقها.

لا يوجد دستور مقدس، وكل دستور يمكن ــ بل ينبغى ــ تعديله إذا فرضت الظروف ذلك، ولكن بطرق واضحة، وشفافية تامة، ومناقشة مجتمعية حرة ونزيهة وفى مناخ ديمقراطى حقيقى.. وهى شروط لا تتوافر إطلاقا فى أوضاعنا الراهنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved