نكبة أفغانستان بين «النضال السوفيتى» و«الجهاد الأمريكى»

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 21 أغسطس 2021 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب توفيق شومان يقارن فيه بين مشهدين فى أفغانستان، مشهد حققت فيه أفغانستان نهضة على جميع الأصعدة تقريبا قبل الغزو الأمريكى والسوفيتى، ومشهد دمرت فيه أفغانستان تماما على أيدى الإيديولوجيات المتقاتلة... نعرض منه ما يلى:

ربما كان يمكن لأفغانستان أن تكون على غير الصورة التى أنتجتها حروب «المناضلين السوفيت» و«المجاهدين الأمريكيين» منذ لحظة الانقلاب الذى قاده الجنرال محمد داود على ابن عمه الملك محمد ظاهر شاه فى يوليو 1973، فما أعقب الانقلاب أفضى إلى تدحرج المشهد الأفغانى نحو قاع تمزقت معه الهوية الوطنية وبات تعريف أفغانستان بأنها أرض الحروب والقبائل والأيديولوجيات القاتلة.
لا يتفق الباحثون على المنشأ التاريخى لاسم أفغانستان، فالمفكر جمال الدين الأفغانى فى كتابه «تتمة البيان فى تاريخ الأفغان» الصادر فى عام 1901، يعيد نشأة الاسم إلى مجموعة من الظنون المتوارثة، من بينها أن «أفغان» حفيد لشاؤول أحد أسباط بنى إسرائيل، أو إلى ما كان يطلقه الأسرى من أنين وحنين عندما أسرهم «بخت نصر» والأنين يُسمى بالفارسية «أفغان».

بصرف النظر عن الظنون وأصل الأنساب المختلف حوله فى كل مكان وزمان، فالراجح أن أصول الأفغان آرية ومعناها النبيل أو المجيد، وهذا ما يذهب إليه العلامة وول ديورانت فى «قصة الحضارة»، وأما أفغانستان، بحسب السفير الأفغانى فى القاهرة صلاح الدين السلجوقى (1960)، فهى «مهد الآرية والآريين، ولما تكاثر عدد سكان آريانا وضاقت بهم الأرض، هاجروا شرقا نحو الهند، وغربا نحو فارس والعراق». فى التاريخ العربى، اشتهرت أفغانستان بخراسان وهى تسمية تعود للفيلسوف والمؤرخ اليونانى كليستانس ابن شقيقة أرسطو، ذلك أنه بعدما «بدأت فكرة تقسيم العالم بحسب الكواكب السيارة، ولما كانت أفغانستان، وفقا للتنجيم السائد آنذاك مرتبطة بالشمس، سموها خراسان، أى أرض الشمس» كما يقول صلاح الدين السلجوقى، ولكن أول من أشار إلى مفردة الأفغان فى العصور التالية، هو العالم الفلكى الهندى فارها ميهرا فى كتابه «برهات ــ سمهيتا» فى أوائل القرن السادس الميلادى، فيما راحت أفغانستان تعرف باسمها الحالى ابتداء من عام 1747 بعد شبه اكتمال وحدتها السياسية والجغرافية فى عهد سلطانها حمد شاه وحمد خان، مثلما ورد فى كتاب قيم لفاروق بدر صادر فى عام 1980، وأما أفغانستان الحديثة فقد نالت استقلالها الوطنى فى عام 1919.
•••
بعد هذا العرض ثمة سؤال أفغانى يمتد على بساط القرن العشرين كله، وقد يغطى القرن الحالى أيضا، ومحور السؤال: ما الفارق بين عصر الملوك فى أفغانستان الحالية وعصرى «التقدميين» و«الجهاديين»؟
لنلاحظ الآتى: أولا: فى النظام السياسى يمكن تجاوز المرحلة الأولى من النظام الملكى الأفغانى والممتدة بين الأعوام 1919 و1929، لأسباب تتعلق بإشكالية الأفكار التى طرحها الملك أمان الله، وقيل إنها فى غاية التغريب.
فى عام 1929، تولى نادر شاه مقاليد المُلك خلفا لأمان الله، وأعلن «أن جميع أفراد الشعب متساوون أمام القانون» وأشرف على إصدار دستور العام 1930، فاتحا المجال أمام انتخاب مجلس نيابى يقوم على الاختيار الحر، وحين اغتيل نادر شاه عام 1933، خلفه ابنه ظاهر شاه، فأكد على استمرار النهج الإصلاحى الذى شرع والده أبوابه، وفى عام 1963، تم اعتماد نظام فصل السلطات من خلال تعديلات دستورية واسعة، وعلى هذا الأساس، جرت انتخابات نيابية أوصلت محمد يوسف إلى رئاسة الوزراء عن طريق الاقتراع الشعبى.

وفى عام 1965، دُعى الأفغان إلى انتخابات نيابية جديدة إثر تعديل الدستور مجددا، ومن مفارقات تلك المرحلة، أن الشيوعى بابراك كارمل، فاز بعضوية المجلس النيابى المنتخب سنتذاك، إلا أن حزبه المعروف بـ«بارشام»، الراية، أسهم فى الانقلاب العسكرى على النظام الملكى فى يوليو عام 1973 بقيادة ابن عم الملك محمد داود، وبعد خمس سنوات، وعقب اتحاد الحزبين الشيوعيين «بارشام» و«خلق»، انقلب بابراك كارمل مع رفاقه الشيوعيين على محمد داود وقتلوه فى ابريل عام 1978.
عن المرحلة الدستورية فى أفغانستان، يتحدث الكاتب محمود شاكر فى كتاب «أفغانستان» (1974) قائلا: «قبل انقلاب 1973، كانت أفغانستان دولة ملكية دستورية، يحكمها ملك بدستور وافق عليه الشعب عام 1964، والسلطة التشريعية بيد مجلسين، مجلس شيوخ يعين الملك ثلثه والباقى ينتخبه الشعب، ومجلس نواب ينتخبه الشعب، والسلطة القضائية مستقلة».

ثانيا: فى السياسة الخارجية صاغت الملكية الأفغانية ــ منذ ثلاثينيات القرن الماضى ــ سياسة خارجية غير منحازة نحو الشرق أو الغرب. كانت أفغانستان تتلقى مساعدات على أنواعها من الاتحاد السوفياتى والولايات المتحدة الأمريكية، وفى الحرب العالمية الثانية وقفت على الحياد، وفى عام 1953 اعتمدت سياسة خارجية قامت على أربعة مبادئ من ضمنها الابتعاد عن سياسة المحاور الشرقية والغربية. وعلى هذا الأساس، شهد عقد الخمسينيات زيارات متبادلة بين القادة الأفغان وقادة الدول الكبرى، فقد زار أفغانستان الرئيسان الأمريكى والسوفيتى دوايت أيزنهاور ونيكيتا خروتشوف وغيرهم، وفى المقابل زار ظاهر الشاه موسكو وواشنطن وبكين وبون، وفى عام 1955، زار الرئيس جمال عبدالناصر كابول، وبعد خمس سنوات زار ظاهر الشاه القاهرة، واستمرت سياسة أفغانستان غير المنحازة حتى لحظة الانقلاب العسكرى على النظام الملكى عام 1973 و«إعلان الجمهورية»، وبعد الانقلاب سعى الشيوعيون إلى قلب ظهر المجن نحو الاتحاد السوفياتى.

ثالثا: فى النهضة والتنمية لم تخطُ أفغانستان خطوة نهضوية أو تنموية واحدة منذ ساعة تحولها ميدانا صراعيا بين محمد داود وبين الشيوعيين، وساءت أوضاعها أكثر بعد إسقاط محمد داود عام 1978 ودخول الأجنحة الشيوعية فى صراعات مريرة، ومن ثم تعاقبت النكبات الدموية على أفغانستان إثر وقوعها بين فكى «النضال السوفيتى» و«الجهاد الأمريكى» بعد عام 1980، وحين سقط نظام طالبان عام 2001، كان كل ما فى أفغانستان قد تراجع إلى ما قبل القرن التاسع عشر، وطوال عشرين سنة من سلطة «الكاوبوى الأمريكى»، لم تعرف أفغانستان نهضة ولا تنمية، وكل ما بات يعرفه العالم عن تلك البلاد، أنها غدت رمزا للاحتلال وعصبيات القبائل وزراعة المخدرات، وعلى ما يبدو، لن تتغير أحوال الأفغان بعد عودة طالبان إلى الحُكم، إذ كيف يمكن أن تنهض الأوطان والشعوب بعقول قادة و«أمراء» يحملون أفكارا سياسية عن السلطة وإدارة الدولة تعود إلى مئات من السنوات الماضيات؟
فشل الشيوعيون فى أفغانستان، وفشل الجهاديون أيضا، وفشل الأمريكيون أيضا وأيضا، والسؤال المطروح حيال ذلك، هل الداء فى الجينات الأفغانية غير القابلة للدواء؟
•••
إن من يذهب إلى إجابة استعصاء الدواء الأفغانى، غالبا ما يكون مشدودا إلى عقيدة حادة ومتطرفة، يسارية أو يمينية أو دينية، فالأفغان حين يستحضرون تاريخهم المجيد، يتحدثون عن أبى حنيفة والترمزى والبخارى وغيرهم، وحين تستدعى ذاكرتهم القريبة النظام الملكى فى القرن العشرين، يتحدثون عن الآتى:
التعليم: فى عام 1922 وقعت أفغانستان مع فرنسا اتفاقية قضت باستقدام بعثة تعليمية فرنسية لمدة 30 سنة، وفى عام 1952 تم تجديد الاتفاقية لثلاثين سنة أخرى، وظهرت فى كابول ابتداء من عام 1924 المدرسة الفرنسية ثم الألمانية، فالإنكليزية، ورصدت الحكومة الأفغانية مبالغ طائلة لإنشاء مدارس وجامعات بفروعها المختلفة وعمدت إلى إنشاء مدرسة فى كل قرية.
ورد فى يوميات «مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية» فى كابول أنه فى الوقت «الذى تحتفل فيه دول العالم باليوم العالمى لمحو الأمية، ما زالت أفغانستان إحدى ثلاث دول فيها أكبر نسبة من الأمية فى العالم، حيث ذكرت إدارة إحصاء السكان العالمية أن نسبة القادرين على القراءة والكتابة فى أفغانستان فى حدود 38.2 فى المائة.

الصحة: يقول محمد إسحق الفقيهى فى مقالة يعود تاريخها إلى أواخر خمسينيات القرن الفائت «فى كابول مستشفيات عظيمة مزودة بأحدث الأدوات الطبية، وفى المدينة أيضا معامل للتحاليل المختلفة وتنتشر فيها زراعة النباتات لاستخراج العقاقير، وفيها مؤسسات للبحث والتحقيق العلمى الطبى... وتوجد مستشفى فى كل مركز مديرية، يضاف إليها المستشفيات المتنقلة من بلدة إلى أخرى، والطبابة مجانية، واتخذت الحكومة إجراءات حاسمة لمقاومة الأوبئة المعدية كالكوليرا والملاريا والجذام والجدرى فى كل أنحاء البلاد»، وفى كتاب صادر عن مكتب الصحافة فى السفارة الملكية الأفغانية (القاهرة 1960) أنه فى كابول «كلية طب يشرف عليها أساتذة أفغانيون وتفخر الكلية بأن مستواها العلمى يضارع مستوى أعلى الجامعات فى أوروبا وأمريكا»... وفى تقرير (22 يناير 2009) لممثلة الأمم المتحدة فى أفغانستان أن التحقيقات التى تقوم بها منظمة «اليونيسيف» تظهر أن نسبة وفيات الأطفال الأفغان هى الأعلى فى العالم.

الصناعة: لجأت أفغانستان منذ أوائل الخمسينيات إلى ما يُعرف بالخطط التنموية الخمسية، وسرعان ما ظهرت فيها مصانع للإسمنت ومصانع للنسيج والغزل وللأقطان والصابون والزيوت النباتية وللخزف والحرير والجلود وللسكر والفواكه المعبأة، وفى عام 1960 افتتح الملك ظاهر شاه مصنعا لإنتاج قطع غيار السيارات والمصانع، وما يمكن ملاحظته فى عمليات التصنيع، أنها شملت المناطق والمحافظات كافة، ورصدت الحكومة الأفغانية لهذه الغاية ما يقارب نصف مليار دولار أمريكى.

المواصلات: بهدف تعزيز الرابطة الوطنية، ربطت الحكومة الملكية المناطق الأفغانية بشبكة طرق لم تعهدها أفغانستان من قبل على الإطلاق، ورغم الطبيعة الجبلية ذات التضاريس والوعور المسننة، فقد نجحت مشاريع ربط المدن الكبرى والمحافظات والمديريات بصورة ملحوظة، وفى مقدمة الطرق تلك، واحدة دائرية طولها 3 آلاف كلم، تبدأ من العاصمة كابول وتمر فى قندهار، هرات، ميمنة، مزار شريف، باغلان، بل خمرى، لتنتهى بكابول من جديد.
مشروع نهضة القرية: أولى النظام الملكى الأفغانى عناية خاصة بالقرية، وأطلق «مؤسسة النهوض بالقرية الأفغانية»، ومن مهامها: إنشاء المدارس والمعاهد التقنية والمهنية والجمعيات التعاونية، والاستفادة من الثروة الحيوانية وتحسين إنتاجها وطرق مكافحة الآفات الزراعية.
•••
هل يمكن المقارنة بين مشهدين أفغانيين؟ مشهد ما قبل الأيديولوجيا ومشهد ما بعد أيديولوجيتين اثنتين؟ وأى مقارنة أيضا يمكن إجراؤها مع إطلالة «طالبان» بأيديولوجيا ثالثة إنما بنسخة جديدة ومنقحة كما تقول وتردد؟
على أفغانستان السلام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved