قبل أن يجرفنا الطوفان
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 21 سبتمبر 2020 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
مع إقدام الإمارات والبحرين على بدء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ومباركة السعودية ضمنا لهذه الخطوة، تبدو فى الأفق بوادر تغييرات ــ أو بالأحرى انقلابات ــ استراتيجية هائلة فى الشرق الأوسط، سيفرض على مصر أن تلعب دورا هامشيا فى السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الإقليم، بعد أن كانت قائدة بل وملهمة له طوال قرون طويلة.
طوال سنوات المواجهة مع إسرائيل، كان لمصرالدور الرئيسى فى تحديد ردود الأفعال العربية رغم خلافاتها مع هذه الدولة العربية أو تلك، لكن هذا الوضع لن يستمر؛ حيث تطمح إسرائيل فى أن تحل محل مصر وتقود المنطقة العربية طبقا لمعادلات جديدة، ستسقط بمقتضاها كل مؤسسات العمل العربى المشترك وعلى رأسها الجامعة العربية نفسها، وسيتحول كل ما كان يشكل العقل السياسى والثقافى العربى من طموحات لتحقيق استقلال القرار الوطنى، وبناء نموذج للتنمية المشتركة، واستعادة الأمجاد القديمة إلى ما يشبه الأساطير الخرافية، فى حين ستتراجع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية إلى خلفية المشهد بـ«تسوية» أوضاع اللاجئين الفلسطينيين فى الدول التى يعيشون فيها، على أن يحصل من يعيش منهم فى فلسطين المحتلة على «شبه دولة» تهيمن عليها إسرائيل من الألف إلى الياء.
كل منظومة الأمن القومى العربى بأبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية سيتم تفكيكها بالكامل، وكل مقولات العالم العربى عن الحرية والوحدة والتنمية المستقلة سيتم «تكهينها» ووضعها فى المخازن، فالمخططات الإسرائيلية والأمريكية جاهزة بالبدائل من خلال بناء تحالف وثيق بين دولارات النفط الخليجية والتكنولوجيا الإسرائيلية، ومواجة إيران وإجهاض كل طموحاتها النووية، بانتظار وصول القطار السعودى بقيادة محمد بن سلمان إلى محطة التطبيع بعد أن يحل محل والده، والذى يتردد فى الصحف الغربية أنه يعارض الصلح مع إسرائيل قبل إعطاء الفلسطينيين دولتهم المنتظرة، فإن الطريق سيكون ممهدا أمام إسرائيل لكى تحقق كل أهدافها فى الهيمنة على عالمنا العربى.
هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات فى هذا الصدد مثل كيف ستتعامل السلطات المعنية فى مصر حول التصورات المعدة للإقليم ودورنا فى هذه السيناريوهات، ودورنا فى مواجهة إسرائيل.
ليس بعيدًا عن ذلك الإجابة عن أسئلة تتعلق بالعلاقة بين أزماتنا الاقتصادية وأوضاعنا المعيشية وديوننا الخارجية المتزايدة، وكيف ستؤثر على سياساتنا الخارجية، وبأى درجة سوف تتأثر قناة السويس مع التنفيذ المرتقب لمشاريع نقل النفط السعودى إلى الأسواق الغربية عبر أنابيب تصل إلى ميناء عسقلان الإسرائيلى.
وسؤال آخر حول، هيبتنا الثقافية فى محيطنا العربى، ثم أزمتنا مع إثيوبيا حول سد النهضة المرشحة للتصعيد، وهل هناك أى مؤشرات لاستعادة مجالنا الحيوى فى السودان أو ليبيا وبقية دول المغرب العربى بعد أن أوشكنا أن نفقده فى المشرق العربى.
نحن على أعتاب تهديدات مصيرية ربما لم نواجهها طوال تاريخنا كله، تتطلب منا سياسات جديدة وإعادة ترتيب كل أوضاعنا الداخلية، قبل أن يجرفنا الطوفان!.