من يدفع زيادة ثمن الأسمدة؟ .. الفلاح أم المجتمع؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

الزيادة التى أعلنتها الحكومة الأسبوع الماضى فى أسعار الأسمدة الزراعية ذات أهمية بالغة على الفلاح وعلى المجتمع الزراعى كما أن لها آثارا خطيرة على الأمن الغذائى المصرى. وبينما انشغلت وسائل الإعلام بتصوير الموضوع كما لو كان صراعا محصورا بين شركات الأسمدة وبين الفلاحين، وبالغ بعضها فى الانحياز للشركات وضرورة حمايتها من زيادة سعر الطاقة، فى حين ذهبت جريدة قومية إلى حد استدعاء مشهد سحل «ابوسويلم» فى نهاية فيلم «الأرض»، فإن الموضوع أعقد من ذلك بكثير، ويستحق المزيد من الاهتمام والتدقيق.

بحسب ما نشر فى الإعلام، فقد قررت الحكومة رفع سعر شراء الأسمدة من المصانع بنسبة ٣٣٪، من حوالى ألف وخمسمائة جنيه للطن إلى حوالى ألفى جنيه، وذلك من اجل تمكين الشركات المنتجة للأسمدة - العام منها والخاص - من مواجهة الزيادة التى طرأت فى يوليو الماضى على أسعار الطاقة ولكى لا يتجه إنتاجها بأكمله إلى التصدير. من هذا المنظور فإن قرار زيادة أسعار شراء الأسمدة من المصانع يكون فى حد ذاته منطقيا وتكون الزيادة فى الأسعار لها ما يبررها. السؤال هو من يتحملها؟

هل تتحملها الدولة فتشترى من المصانع بالأسعار الجديدة ولكن تستمر فى البيع للفلاحين بنفس الأسعار القديمة ؟ أم تقوم بتحميل الزيادة كلها على الفلاحين ؟ إذا اختارت الدولة أن تحمى الفلاحين من ارتفاع سعر السماد فإن معنى ذلك إضافة الفارق إلى فاتورة الدعم وبالتالى الرجوع مرة أخرى إلى انفلات عجز الموازنة. أما إذا تركت الفلاحين يتحملون زيادة أسعار الأسمدة وحدهم فإنها تكون قد ألقت على كاهلهم بعبء رفع أسعار الطاقة مرتين: مرة مع السولار والبنزين والكهرباء، والثانية مع سعر السماد، وهو وضع غير مقبول ولا يتحمله الفلاحون، خاصة من يزرع منهم المحاصيل التقليدية التى تمثل أمن مصر الغذائى ولكن لا تحقق إلا هامش ربح محدودا للغاية.

فى النهاية، بحسب المنشور أيضا، اختارت الحكومة البديل الثانى وهو تحميل الفارق على الفلاح، بما يعنى زيادة السعر الرسمى لشيكارة السماد من سبعين جنيها إلى خمسة وتسعين أو مائة جنيه بحسب النوع، وهى زيادة كبيرة ومفاجئة ولها عواقب وخيمة على الفلاح وعلى الاقتصاد الزراعى. ومع ذلك فإن المطالبة بإلغاء القرار والرجوع عن الزيادة ليست الموقف المسئول ولا السليم، بل مجرد دفن للرأس تحت الرمال وتجاهل للمشكلة. فلا الفلاح يتحمل زيادة سعر السماد وحده، ولا الموازنة العامة للدولة تتحمل هى الأخرى هذا النزيف المستمر، ولا الشركات يمكنها استيعاب زيادة أسعار الطاقة دون تغيير سعر بيع منتجاتها. ما الحل إذن؟

الحل هو النظر إلى حيث تكمن المشكلة الحقيقية. فالقضية لا تتعلق فقط بالسعر وإنما بمدى توافر الكميات التى يحتاجها الفلاح. وإليكم مثالا: زراعة فدان الذرة فى الصعيد تتطلب ما لا يقل عن عشر شكائر سماد لكل موسم. ولكن الفلاح لا يحصل من خلال الجمعية الزراعية أو البنك الزراعى إلا على شيكارتين أو ثلاث بالسعر الرسمى الذى كان سبعين جنيها للشيكارة، ثم يضطر لاستكمال حاجته إلى سبع أو ثمانى شكائر إضافية من السوق السوداء بأسعار وصلت فى السنوات الإخيرة إلى مائة وسبعين جنيها للشيكارة. القضية بالنسبة للفلاح إذن ليست فقط سعر السماد وإنما ندرته. ولو كانت هذه الندرة سببها عدم كفاية الانتاج المحلى لكان لها مبرر منطقى. ولكن الواقع أن مصر تنتج أكثر من استهلاكها من السماد وتصدر الباقى. السبب الحقيقى لهذه الندرة المصطنعة هو الفساد فى آليات التوزيع والتسويق وفى تخصيص حصص السماد وفى ضعف الرقابة على الجمعيات الزراعية وفى عدم وضوح الدور الذى يقوم به بنك التنمية والائتمان الزراعى. والنتيجة أن دعم الدولة يذهب إلى تجار الأسمدة بدلا من أن يستفيد به الفلاح الذى يضطر لدفع ثمنه ضعفين وثلاثة أضعاف. ولذلك فإن القرار الأخير بزيادة أسعار الأسمدة وإن كانت له مبرراته، إلا أنه غير كاف، بل يلزم أن تصاحبه مجموعة من الإجراءات والسياسات اللازمة لحماية الفلاحين من آثاره السلبية ولتوجيه موارد الدولة المحدودة لدعم من يوفرون لنا الغذاء وليس لمن يتاجرون بالسماد المدعوم. ويأتى على رأس هذه الخطوات:

• إحكام الرقابة على سلسلة التوزيع وعلى نظام التخصيص من خلال البنك الزراعى والجمعيات حتى لا يتسرب السماد المدعوم إلى الشركات والتجار دون وجه حق.

• القيام بإصلاح شامل لبنك التنمية والائتمان الزراعى بما يقيله من عثرته ويوفر له الموارد والإمكانات المادية والبشرية والأدوات القانونية التى تمكنه من أن يكون سندا للفلاح ومصدرا للتمويل والأسمدة والمعدات والتقاوى.

• إعادة تقييم وإصلاح نظام التعاون الزراعى فى مصر لأنه الوسيلة الوحيدة لتمكين الفلاح ذى الحيازة المتواضعة من أن يتعاون مع أقرانه ويشترك معهم فى الإنتاج والتسويق والتفاوض على شروط تعاقدية أفضل.

• مراجعة سياسة الدولة فى تسعير المحاصيل التقليدية لكى تضمن للفلاح هامشا مناسبا للربح يمكنه من الاستمرار فى زراعة القمح والذرة والشعير وغيرها من المحاصيل التى تحقق الأمن الغذائى لمصر.

الحكومات والمسئولون يفضلون دائما الإعلان عن برامج لاستصلاح ملايين الأفدنة الجديدة وشق الترع والقنوات التى تكلف المليارات، وهذا كله مطلوب وضرورى متى توافرت له الأموال والموارد المائية. أما الإصلاح المؤسسى المقترح هنا فهو الأكثر إلحاحا والأقل تكلفة، وأهميته لا تتوقف عند توفير السماد للفلاحين فقط وانما توفير التمويل والمعدات والإرشاد الزراعى والتقنية المناسبة والتقاوى السليمة والتخزين والنقل وكل ما يحتاجه الفلاح لكى يتمكن من الاستمرار فى الزراعة أصلا ويجد منها العائد الذى يستحقه بدلا من ان ينتظر فرصة تبوير قيراط واحد وبيعه لكى يعوض به جهد زراعة فدان قمح لعشر سنوات دون عائد يذكر.

بغير هذه الإجراءات فإننا نكون قد ألقينا عبء الزيادة كلها على الفلاح، ربما اعتمادا على أن الفلاح المصرى لا يثور، ولا يتظاهر، ولا يضرب عن العمل، لأن حرصه على الأرض والمحصول وقوت أسرته يجعله يتحمل بصبر وجلد وإحساس عميق بالمسئولية. ولكن هذا لا يعنى أن يتحمل بمفرده الثمن كاملا، بل على المجتمع أن يسانده لكى يستمر قادرا على الانتاج والعطاء، وتوفير الأمن الغذائى للبلد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved