الحرب الباردة الجديدة

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 21 أكتوبر 2017 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تابع العالم كله وعلى مدى عدة عقود الحرب الباردة بين المعسكر الغربي ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي ممثلاً في الاتحاد السوفيتي، وقد تابع العالم كله هذه الحرب من مقعد المتفرجين في أغلب الأحيان ومن مقعد المساعد لأحد المعسكرين في أحيان أخرى حتى انتهت هذه الحرب بقطب واحد في العالم وتفكك الاتحاد السوفيتي، والآن يواجه هذا القطب حربا باردة أخرى.. باردة في مسماها السياسي وشديدة الحرارة والتوهج في أحداثها وسرعتها.. إنها حرب تكنولوجية مع الصين واليابان.. والتكنولوجيا تولد من العلم وتؤثر في الاقتصاد الذي يوثر بدوره في الحياة الاجتماعية وبالتالي السياسية.. فما هي الحكاية؟

أغلب الأبحاث العلمية الآن تعتمد على المحاكاة (simulation) عن طريق عمليات حسابية معقدة، علوم مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء وتطبيقاتها مثل تصميم الأسلحة أو تحليل المعاملات المالية كلها تحتاج إلى المحاكاة والحسابات المعقدة وهذا يحتاج إلى أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة أو ما نطلق عليها السوبر كمبيوتر (supercomputers) وهذه أول نقطة في الحرب الباردة الجديدة.

كل ستة أشهر تُنشر قائمة بأسرع 500 سوبر كمبيوتر في العالم، الصين متربعة على قمة هذه القائمة منذ سنتين، هذا معناه أنها تمتلك قدرة أكبر في التطبيقات التي ذكرناها أعلاه، بل أن هناك هدف كبير تحاول الصين والولايات المتحدة الوصول إليه منذ عدة سنوات بدون نجاح حتى الآن وهو الوصول لسوبر كمبيوتر بسرعة بليون بليون عملية حسابية في الثانية (exascale) كمبيوتر بهذه السرعة سيعطي للدولة التي تمتلكه قدرات هائلة في شتى العلوم والتسليح وصناعة الأدوية ولن نكون مبالغين لو قلنا أن الوصول لهذا الكمبيوتر في هذه الحرب الباردة يشبه الوصول للقنبلة الذرية في السباق بين ألمانيا وأمريكا في الحرب العالمية الثانية أو القنبلة الهيدروجينية في السباق بين أمريكا والإتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة!

والصين لا تألو جهدا في وضع أمريكا تحت ضغط عن طريق نشر مقالات كل عدة أسابيع تنوه فيها أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الوصول لتصميم هذا الكمبيوتر!

النقطة الثانية في هذه الحرب الباردة هي الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية وأجهزة التابلت لأن هنا أيضا خسرت الولايات المتحدة عدة معارك حتى الآن لأن كل هذه الأجهزة تعتمد على ما نطلق عليه المشغلات الدقيقة وهي "عقل" هذه الأجهزة وهذه "العقول" تصممها شركات خارج أمريكا فشركة ARM مثلاً تصمم هذه "العقول" لأغلب السوق العالمي (نسبة تصل في بعض الأحيان إلى 90%) وهذه الشركة إنجليزية استحوزت عليها شركة يابانية.. إذا أمريكا والصين تسيطران على أجهزة السوبركمبيوتر والأجهزة المحمولة وهما محور الحياة في عصرنا هذا.. ومازالت الحرب مستمرة.

بعد هذه النظرة السريعة والتلخيص المخل على أرض معركة التكنولوجية العالمية ماذا عسانا أن نفعل في مصر؟ هل نكتفي بمقاعد المتفرجين؟ قد تتسائل ماذا عسانا أن نفعل في هذه الساحة التي يلعب فيها الكبار ونحن لا نمتلك الإمكانيات للمنافسة، أعتقد أن هذا ليس صحيحا.. لنرى:

شركة مثل ARM التي تحدثنا عنها لا تمتلك مصانع أو معامل بل مجموعة من الباحثين والمصممين الموهوبين الذين يضعون التصميمات ولا يحتاجون إلى أجهزة كمبيوتر يضعون عليها تصميماتهم، إذا فسلعتهم هي التصميم ولكن التصنيع مسألة أخرى تتحملها الشركات التي تشتري هذه التصميمات (أجهزة الأيفون مثلاً تستخدم تصميمات شركة ARM) وأعتقد أنه لا تنقصنا الموهبة في مصر ولا نحتاج إلا إلى مصميين مهرة.

هذه الأجهزة العملاقة لن تعمل دون برامج (application software) ومصر تمتلك قوة لا يستهان بها من المبرمجين الذين يستطيعون ببعض التمرين كتابة برامج لهذه السوبر كومبيوتر.

إذا نحن نستطيع المنافسة إن أردنا، طبعا لنكن واقعيين لن نبني أجهزة سوبركمبيوتر في مصر ولن نحتاج لها حالياً ولكن نستطيع أن نكون من اللاعبين المهمين على الساحة الدولية.. لنعتبرها سلعة للتصدير في الوقت الحالي.

نعرف أنه عندنا في مصر مبرمجون موهوبون في كتابة تطبيقات للأجهزة المحمولة وهذا جيد ولكن السوق العالمية لتطبيقات الأجهزة المحمولة مليئة والمنافسة شرسة.. فلننافس هنا ولننافس هناك خاصة وأن أمريكا تعتبر أجهزة السوبركمبيوتر سلاح استراتيجي.

ونحن نقول أن العلم والتكنولوجيا هما أسلحتنا الاستراتيجية ولكي ننميهما يجب الاهتمام بالتعليم بجميع مراحله.. التعليم أمن قومي.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved