تأثير نتائج الانتخابات فى سلوك التونسيين

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 21 أكتوبر 2019 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى وجاء فيه:
من المهمّ أن نتوقّف عند أشكال تفاعل أنصار المترشّح قيس سعيّد مع حدث الانتصار، ونحلّل طرق استعادة شقّ من التونسيين مشاعر الغبطة والسرور والبهجة... وننقد حالة عسر «عقلنة» المشاعر، (إن تصوّرنا أنّه يمكن عقلنتها)، وأشكال تبرير حالات الانفلات. فبعد أن صار الفرح عزيزا على التونسيين الذين عاشوا طيلة سنين على وقع الإحباط واليأس والتشاؤم... صار الهتاف والغناء والصراخ وحتى العنف... مجرّد تعبيرات «حدّية» تكشف عن تأثير القهر والغبن ووأد الفرحة فى سلوك التونسيين.
ولكن يبقى الأهمّ من كلّ خطابات رصد الانفعالات وطرق التعبير «الهمجيّة» التأمّل فى مدى قبول فئات أخرى من التونسيين بنجاح المترشّح قيس سعيّد فى الانتخابات الرئاسية إذ يُتبيّن نجاح التجربة الديمقراطية من خلال ردود من لم يصوّتوا للرئيس الجديد وأولئك الّذين اعتبروا نبيل القروى منذ لحظة خروجه من السجن «رئيسنا» فراحوا ينشرون صورة رسموها له وهو فى «حلّة الملك» وانساقوا وراء وأحلامهم.
تنمّ ردود فعل هذه الفئات «الغاضبة» والمستاءة من سيطرة «الرجعيّة» و«الظلامية» وعودة «النهضة» إلى سدّة الحكم عن أزمة حقيقيّة فى مستوى التمثّلات: تمثّل الديمقراطيّة والممارسات التى تقوم عليها والعمل السياسى، وفى مستوى تمثّل الآخر / المغاير / المختلف.
ومن علامات هذا المأزق الفعلى هيمنة حالة من العمى الإدراكى تجعل الجموع غير قادرة على رؤية الواقع فى ديناميكيته وجدليته، مستمرّة فى التعنّت والرفض، والمراوغة وصناعة الأعداء وما أكثرهم. فإن تواصل ترهيب الناس «بحكم الإخوان» معناه أنّك ما زلت تكرّر نفس المبررات «القديمة» ولم تجد وسائل إقناع جديدة. وأن تستمرّ فى الدعوة إلى «كنس النهضة واستئصالها وتطهير تونس منها»، معناه أنّك تبيع الأوهام وتزيّف الوعى وتتاجر وليست التجارة بالدين هى الوسيلة الممكنة للتجييش إذ نجد أشكالا أخرى بالمتاجرة بالعواطف، وتمثيل الحداثة، والعزف على وتيرة «النمط المهدّد بالزوال»، وامتيازات النخب، ومصالح الطبقة، و«البلدية».... وليست ممارسة العنف تجاه من يختلف عنك فى التصوّر و«تخوينه» إن حرّر نفسه من المسلّمات وراجع منطلقاته إلاّ علامة على عسر التكيّف مع التحوّلات التى يعيشها المجتمع التونسى وتفضيل الأوهام على مواجهة الواقع المتغيّر. وقد بات جليّا أنّ لكلّ فريق ثوابته وقناعاته التى لا يقبل التزحزح عنها حتى بعد اختلاف السياقات.
لقد تضاعفت الانقسامات ولم يعد التونسيون يتحمّلون تبعات الاستقطاب الحدى الذى عاشوه بعد 2011 فقط، بل صار لزاما عليهم العيش على وقع نظام من التضاد تجلّت ملامحه فى الدور الأوّل من الانتخابات بين أنصار يوسف الشاهد / الزبيدى / القروى / مورو /.... ليتحوّل بعد ذلك إلى استقطاب ثنائى مضاعف بين أنصار نبيل القروى / وأنصار قيس سعيد، من جهة، وبين «ممثّلى الحداثة» و«ممثلى الرجعيّة»، من جهة أخرى. ولكن كيف يمكن الخروج من هذا الوضع وتجميع التونسيين حول مشروع مشترك «يجدون أنفسهم فيه» ويعكس توقعاتهم؟ وهل بإمكان «الساسة الجدد» أن يصوغوا خطابا مؤلّفا بين «الإخوة الأعداء؟
لقد سمحت «صدمة الانتخابات» للتونسيين باكتشاف الفجوات: الفجوة بين المتحكّمين فى حملات التعبئة الإعلامية والحالمين بالنصر والواثقين من جنى ثمار «تكتيك» توظيف النساء، والتلاعب بالعقول وتزييف الوعى والاستثمار فى الأميّة، والفقر والبؤس... وبين التحرّكات على أرض الميدان غير المرئية تلك التى تقودها فئة لا تملك سلطة المال والإعلام ولا ترسانة الخبراء فى إدارة الحملات ولكنّها قادرة، متى أرادت، أن تفعل فى الواقع... وليس استهزاء النخب بتصوّرات «الخصوم»، وهم فى الأغلب شباب أو من عامّة الناس، وتحقير كلّ مبادرة تصدر عنهم إلاّ حجّة على تمثّل معطوب للذوات فهى الوحيدة التى تحتكر التجربة، والحكمة والخبرة.
ولعلّ الأسئلة المطروحة اليوم على جميع شرائح التونسيين: كيف يمكن لكلّ فئة أن تساهم فى البناء، من موقع المسئوليّة؟ كيف يمكن لكلّ فريق أن يرتقى بسلوكه تجاه من لا يتبنّى توجهاته؟ كيف لنا أن نعيش معا باختلافاتنا وتعدّد هوياتنا؟ كيف يمكن أن نطوّر فهمنا للمواطنة على قاعدة تكريس المساواة والكرامة والحرية والعدالة للجميع بلا استثناء؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved