أزهى عصور الانحطاط

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 21 نوفمبر 2009 - 12:44 م بتوقيت القاهرة

 مساء الخميس أمس الأول استمعت إلى الجزء الأخير من خفل تأبين نقابة الصحفيين للراحل المفكر الكبير محمد السيد سعيد.

تحدث الجميع بما يستحقه هذا الرجل العظيم.. عن نبله وعلمه وتواضعه وإيمانه المطلق بالتنوع والحريات والانحياز إلى الفقراء.

ومع نهاية الاحتفال تلقيت اتصالا من صديق يخبرنى متألما عن وجود مظاهرة غاضبة فى ميدان طلعت حرب ضد الجزائر.

نزلت مسرعا فلحقت ببقايا المظاهرة، التى انطلقت بعد دقائق من تصريحات علاء مبارك فى قناة دريم، لم أصدق أذنى وأنا أسمع الغاضبين يسبون الجزائر الدولة بهتافات فاحشة، وتطورت المظاهرة من مجرد الهتاف البذىء إلى التحرك صوب سفارة الجزائر بالزمالك فى محاولة لحرقها، وهو ما لم نفعله ضد السفارة التى تستحق الحرق فعلا. هتافات أقل فحشا وأكثر احتراما تحججت بها الحكومة فى مرات كثيرة سابقة لتحاكم بها معارضين ضد إسرائيل والولايات المتحدة. بتهمة الإساءة إلى دولة صديقة رغم أن هؤلاء الأصدقاء هم الذين قتلونا وما يزالون يقتلون الأشقاء فعلا.

مبدئيا، أؤمن بحق كل شخص فى التظاهر ضد أى شىء لا يعجبه، لكن ما يؤلم النفس أن جماهير مصرية يصل بها التضليل والخداع إلى سب الجزائر البلد العربى الشقيق ومحاولة حرق سفارته.

التضليل والخداع نفسه هو الذى دفع جماهير جزائرية إلى مهاجمة مصر الدولة فى شوارع الجزائر، إلى أين سيقودنا هذا التضليل؟.. هل نقطع العلاقات.. أم نريد غزو الجزائر، ومحوها من الخريطة؟.. ما هذا الغرق فى مستنقع التعصب والتخلف والقبلية؟!.

ما حدث باختصار أن الإعلام الجزائرى ضلل جماهيره فى البداية وصور لهم أن تذكرة الصعود للمونديال مضمونة فى مباراة القاهرة، وعندما انهزم لم يجد شماعة سوى مهاجمة مصر وجماهيرها.. نفس الكارثة حدثت فى مصر، حيث ضلل الإعلام الغوغائى الجماهير وصور لهم أن المباراة الحاسمة فى الخرطوم هى نزهة وترانزيت للعبور إلى جنوب أفريقيا وعندما خسرنا بهدف، لم نجد غير شماعة فظاعات الجزائريين، هى فظاعات حدثت بالفعل فى الخرطوم، لكنها لم تكن مسئولة عن هزيمتنا الكروية، عندما تحدث العقلاء عن ضرورة التهدئة، هاج الغوغائيون وماجوا، لأن تجارتهم مهددة بالبوار، والآن لا يريدون تصديق أن ما يحدث هو النتيجة الطبيعية لما زرعوا، المباراة انتهت والدنيا لم تتغير وبعض الجزائريين ــ وليس كلهم ــ ارتكبوا ما هو أكبر من الجرائم، وبعضنا فى مصر ــ وليس كلنا ــ انسقنا وراءهم وفعلنا نفس الشىء. والنتيجة أننا كلنا خاسرون، والكاسب الوحيد هو الذى يزعم أننا كعرب ما زلنا همجا متخلفين ومجرد ظاهرة صوتية.

تحية للجزائر البلد العربى الشقيق، ولا بارك الله فى الإعلاميين والمسئولين فى الجانبين الذين أسهموا فى اشعال الفتنة.. أما أنت يا محمد السيد سعيد فأحمد الله أنك رحلت قبل أن تشهد ما يحدث.. نحن نحتاج إلى وقت طويل حتى نبدأ فى التفكير فى أفكارك ومثلك وكل ما ناديت به.

بعضنا أكثر تخلفا مما يتصور حتى كثير من أعدائنا، نحن نعيش بصدق أزهى عصور الانحطاط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved