سوء حظ أم سوء تقدير

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 21 نوفمبر 2010 - 9:33 ص بتوقيت القاهرة

 الأسوأ من الجفاء بين القاهرة ودمشق، الأعذار التى تساق لتفسيره. إذ ربما يذكر البعض أننى تطرقت إلى هذا الموضوع من قبل، وتساءلت عن أسباب استعصاء مشكلات علاقات البلدين على الحل. وكان الرئيس بشار الأسد قد ذكر فى حديث له نشرته صحيفة الحياة أنه لا مشكلة لسوريا مع مصر، وأن المشكلة قد تكون لدى الطرف الآخر.

الأستاذ جهاد الخازن دخل على الخط فى تعليق له نشرته صحيفة الحياة يوم الجمعة الماضى (19/11) وحاول أن يجيب عن التساؤلات التى طرحتها بعد أن ذكر أنه يعرف تفاصيل ما جرى، حين استمع إلى وجهتى نظر الطرفين بحكم علاقاته الوثيقة معهما. وإذ قال إنه لا يستطيع أن ينشر كل ما يعرف، إلا أن ثمة حدودا مسموحا بها لخصها فى أن «سوء الحظ» أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه. وأشار فى هذا الصدد إلى أن الجفاء بين القاهرة ودمشق عمره سبع سنوات وليس خمسا،، منوها إلى أنه بعد الغزو الأمريكى للعراق وتهديد واشنطن بإسقاط النظام فى سوريا، فإن وزير الخارجية الأمريكى آنذاك كولن باول زار دمشق لفرض شروط «المنتصر»، التى رفضها الرئيس بشار الأسد. وقد اعتبرت سوريا أن مصر لم تساندها آنذاك وتركتها وحيدة أمام عاصفة سياسة المحافظين الجدد. لكن مصر ذكرت أنها ساندت سوريا ووقفت إلى جوارها آنذاك. وهو ما أحدث فجوة فى علاقات البلدين. تحدث الأستاذ الخازن أيضا عن قمة «سرت» التى عقدت فى ليبيا، وقال إن الأسد أراد أن يكون أول رئيس عربى يهنئ الرئيس مبارك بسلامة العودة بعد الجراحة التى أجريت له فى ألمانيا، ولكن تحديد موعد الزيارة صادفته عدة عثرات أدت إلى إلغائها. مما دفعه إلى القول بأن سوء الحظ ظل واقفا بالمرصاد بحيث لم تنجح محاولات رأب الصدع بين البلدين طوال السنوات السبع الماضية.

لســت أشـــك فى أن ما يعرفه الأستاذ جهاد الخازن أضعاف ما ذكره. كما أننى لا أشك فى ذكاء الرجل الذى حين روى ما رواه فإنه أراد التلميح إلى أن ثمة خلافا بين البلدين حول الموقف من السياسة الأمريكية، كما أن ثمة حساسية خاصة بين الرئيسين مبارك والأسد، ومن جانبى أزعم أن دور الحساسيات الشخصية فى الجفاء الحاصل بين القاهرة ودمشق لا يقل أهمية عن دور الخلاف السياسى بين البلدين. وذاكرتنا لاتزال تعى أن الحساسية الشخصية و«الكيمياء» حين لم تتفاعل بشكل إيجابى بين الرئيسين أنور السادات ومعمر القذافى، فإن ذلك سبب قطيعة بين البلدين لعشر سنوات تقريبا.

يؤيد ما أدعيه ذلك الجفاء الحاصل الآن بين القاهرة والدوحة، حيث لا أظن أن ثمة خلافا سياسيا جوهريا بين البلدين سواء فيما خص العلاقات مع الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل. حتى موقف قناة «الجزيرة» إزاء مصر لا أظنه يمكن أن يكون سببا للجفاء، خصوصا أن ما تبثه عن مصر أحيانا لا يكاد يقارن بما تنشره الصحف المصرية ذاتها من نقد أو تحفظات. ولذلك فإننى أميل إلى أن تكون المسألة فى حدود الحساسيات الشخصية التى فتحت الباب لإساءة الظن وأدت إلى الجفاء الراهن. وكان ذلك واضحا فى مواقف كثيرة أحدثها امتناع وزير الثقافة المصرى عن حضور اجتماع وزراء الثقافة العرب فى الدوحة قبل أسبوعين، وتعلله فى ذلك بارتباط له فى القاهرة. وحين عرض عليه تأجيل إحدى الجلسات ليتمكن من الحضور فى اليوم التالى للافتتاح فإنه اعتذر أيضا. وظل مقعد مصر خاليا فى المؤتمر الذى حضره 17 من وزراء الثقافة العرب.

لا أعتقد أن مصطلح «سوء الحظ» يمكن أن يكون تفسيرا مقنعا للجفاء الحاصل بين القاهرة ودمشق، ولا أتصور أن الحساسيات الشخصية بين الزعماء العرب يمكن أن تقبل كتفسير لتوتر العلاقات بين القاهرة وبين أى دولة عربية. وأخص القاهرة بالذكر لأن «الشقيقة الكبرى» ينبغى أن تقيم موقفها بمعيار خاص يختلف عن أى دولة أخرى فى المنطقة. ناهيك عن أنه ليس مفهوما ولا مقبولا بأى معيار أن تنجح إلى حد كبير جهود التغلب على التناقض الحاصل بين مصر وإسرائيل - العدو الاستراتيجى والتاريخى - فى حين تفشل تلك الجهود فى حل التناقض بين مصر وسوريا أو قطر، أو بين مصر وإيران. وعندما يحدث ذلك فإنه يعنى أن ثمة خللا فى الرؤية الاستراتيجية ينبغى أن نتحرى مصادره وأن نسارع إلى علاجه، لأن استمرار ذلك الخلل لا يخدم المصالح العليا لمصر، حتى وإن كان مريحا ومنسجما مع مصالح أى دول أخرى خارجية. ولا أتردد فى القول بأن المستفيد الأكبر من ذلك الجفاء هو الولايات المتحدة وإسرائيل.

لقد كان من بين الإنجازات المهمة التى حققتها حكومة حزب العدالة والتنمية فى تركيا أنها عملت منذ اللحظة الأولى لتوليها السلطة على حل مشاكلها مع كل جيرانها فيما عرف بسياسة (زيرو مشاكل)، ولا أعرف كيف يمكن أن تظل مصر عاجزة عن حل مشاكلها مع محيطها الإستراتيجى وأن تترك تلك المشاكل لكى تتراكم وتتعقد وتتحول بمضى الوقت إلى عقد وعاهات!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved