سنة 3 ثورة

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 22 نوفمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

(1)

أيام قليلة ونصل جميعا إلى نهاية سنة 3 ثورة، والزمن يتقدم بسرعة لكن الثورة والثوار يتأخرون، والبلاد والعباد يهبطون هبوطا مخيفا.

وقبل أن نبدأ سنة 4 ثورة نحتاج إلى وقفة مع النفس نصارح فيها أنفسنا، فليس معقولا أن تبقى مصر ثلاث سنوات لا تتحرك إلا إلى الخلف أو إلى أسفل. وليس معقولا أن يفقد الناس كل الناس أعمارهم فى مقاعد المتفرجين رغم أن الرموز الشاغلة للساحة دون المستوى، فلا كوادر فلول الحزب الوطنى فيهم من يصلح، ولا كوادر 2012 فيهم من يعرف، ولا كوادر الموجة الأخيرة ــ موجة يونو 2013 ــ يبدو عليهم ما يطمئن.

أن أمراض المجتمع خطيرة، وثغرات الدولة كثيرة، وحصوننا مهددة من الداخل أكثر تهديدا من الخارج.

فمنذ 1952 و«بوصلة البلاد» تتحرك بين علامتين إما (محلك سر) وإما (للخلف در) وإحقاقا للحق فإن حركة التردى والتراجع (للخلف در) هى السمة الغالبة من 1981 وحتى الآن.

ورغم أن النوايا لدى رموز 2012، ورموز يوليو 2013 نوايا حسنة إلا أن العجز واضح لدى الجميع، ومن المؤلم أن يكون العجز واضحا وأن يكون الغرور والكبر فاضحا، أيها السادة والسيدات: «إن السفر طويل، والبحر عميق، والحمل ثقيل والعاقبة كؤود»

لا نريد أن نجلد أنفسنا، وكذلك لا نضيع أنفسنا وشعبنا ووطننا

(2)

لقد أضاعت أنظمة الحكم المتعاقبة كلها مقومات التقدم، واستهلكت وأهلكت أمل الناس فى التقدم والنمو، وليس ذلك فحسب فإن أجيالا متتابعة بافتقادها للطعام والأمن والصحة افتقدت القدرة على مجرد الكتابة والقراءة حتى تجد خريج الجامعة ومن كلية نظرية حينما يعتذر يكتب «أرجو قبول اعتظارى» والموظف الكبير جدا حينما يسأل يكتب «أريد أن أسأل بخسوس» يقصد ــ بخصوص ــ وقس على ذلك كثيرا كثيرا، حتى إن رجلا مؤهلا كبيرا كتب لى عبارة «للخلف ضر» فلما راجعته أكد أن هذا المصطلح كما كتبه وهو يفهم منه طوال حياته أن هذا المصطلح يعنى «الضرر» وليس «الدوران» ولذلك فكثير ما يزحف اليأس إلى تفكيرى، فأقول كم عضوا من «لجنة الخمسين» ــ مع تقديرى لكل عضو بشخصه ــ يعرف الفروق الواضحة والعملية بين الدولة والحكومة؟ وأكاد أجزم أن المتخصصين فيهم فى القانون إذا عرفوا فمعرفتهم قاصرة على القالب والشكل دون الجوهر والمضمون. وهؤلاء هم الخيرة، فكيف بقيادات وكوادر الأحزاب والائتلافات والجماعات فضلا عن هؤلاء الذين يدعون الاستقلال، وهم فعلا يتمتعون باستقلال كامل ولكن استقلال عن أسباب التعاون والتكامل، وأكثر استقلالا عن المعرفة والإحاطة.. بل إنهم ليجهلوا أن النوايا لا تكفى فى الدنيا ولا تساعد القافلة حتى للاستدارة (إلى الأمام در).

إننا جميعا أيها السيدات والسادة لا نعرف للسياسة مضمونا، ولا للحوار أسلوبا ولا للتعايش نظاما، وقياسا على ما كتب الكاتب المرحوم إحسان عبد القدوس: «يا عزيزى كلنا لصوص» فنستطيع أن نقول «يا عزيزى كلنا عجزة وغير عارفين»، وقد قالوا قديما «كل فتاة بأبيها معجبة»

(3)

مازالت الحلول «الثورية الآمنة» القادرة على إخراج البلاد مما هى فيه بعيدة قاصية عن البعض، غير معروفة للبعض، وغير مرغوبة للبعض.

مازال الاستكبار القاتل يسيطر على «السلطة والمعارضة» فيمنعهم من الاعتراف بضبابية الرؤية وثقل المسئولية، والعجز عن إحسان التصرف، ومع ذلك يثرثرون كلاما يزيد الوضع تأزيما، إذ لم يسمعوا قول المتنبى: «لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ ... فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ»

هذا العجز عن فهم الواقع وفهم المطلوب عجز خطير استعاذ منه رسول الله. إنه عجز واضح، وعناد فاضح.

(4)

حقا إنه عجز مخيف، وتنطع سخيف، وجهد ضعيف وأسيف، ورغم أن مشكلتنا عويصة ــ بلا ريب ــ إلا أن البحث عن الطريق الصحيح والبوابة الملائمة بحث مطلوب ومقدور، ولا يشترط علينا غير الاعتراف بالحقيقة ومد الأيدى لمن يقدر، وعدم التمادى فى الغرور والإصرار على التعسف فى استعمال الحق.

خطوتنا الأولى بعد الاعتراف هى الاتفاق على ضرورة جماعية المشاركة ــ مشاركة فعلية وليست مشاركة تأييد، بشرط انعدام المغالبة والملل والانسحاب والاستقطاب. أما الخطوة الثانية فهى تقسيم «المشروع الوطنى» «مشروع إنقاذ الوطن» إلى أقسام يسأل عن كل قسم فريق أو حزب أو مؤسسة حتى يبدو الأساس والقواعد على سطح الأرض.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved