المقعد العربى بمجلس الأمن

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2013 - 7:35 ص بتوقيت القاهرة

وفقا لوسائل الإعلام فقد قامت المملكة العربية السعودية بإبلاغ الأمم المتحدة رسميا باعتذارها عن شغل المقعد غير الدائم الذى انتخبت لشغله لمدة عامين اعتبارا من أول يناير 2014، ووفقا للخبر الإعلامى أيضا فإنه وقع الاختيار على الأردن لشغل المقعد العربى.

وفى الواقع لا يوجد رسميا شىء يسمى المقعد العربى بمجلس الأمن، بل انه من الناحية الرسمية لا تعترف الأمم المتحدة بالمجموعة العربية ولا بالمجموعة الإسلامية لأن التقسيمات بالأمم المتحدة هى تقسيمات جغرافية، فالدول العربية التى تقع فى أفريقيا تنتمى رسميا للمجموعة الأفريقية وكذلك الحال بالنسبة للدول العربية فى آسيا فهى تنتمى للمجموعة الآسيوية، ولكن المجموعة العربية تعمل فى نطاق الأمم المتحدة وتعقد اجتماعات دورية لتنسيق مواقفها إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتوزيع المقاعد فى أجهزة الأمم المتحدة فيعود الأمر إلى النطاق الجغرافى لأن المقاعد تخصص على أساس التقسيم الجغرافى وليس الانتماء العرقى أو اللغوى أو الدينى.

وعندما تم توسيع العضوية بمجلس الأمن فأصبحت خمسة عشر عضوا بدلا من أحد عشر، تم تخصيص خمسة مقاعد للمجموعة الأفروآسيوية واتفقت المجموعة الأفروآسيوية هذه ــ فيما بينها أى اتفاق جنتلمان ــ على تخصيص أحد المقاعد الخمسة للعالم العربى بشرط أن يكون العضو العربى مرة من آسيا ومرة من أفريقيا.

ونادرا ما يحدث تنافس انتخابى للفوز بأحد هذه المقاعد بل يتم الاتفاق داخل المجموعة الجغرافية على أسماء الدول التى ستشغل المقاعد المخصصة لها وتتقدم كل مجموعة بأسماء هؤلاء المرشحين إلى الجمعية العامة لاعتمادها, إذن فالمنافسة والمساعى للفوز بالمقعد تتم داخل النطاق الجغرافى.

 

لذلك فقد أثار موقف السعودية الرافض لعضوية مجلس الأمن بعض الدهشة، فقد بدا الأمر لدى الكثيرين وكأن الأمم المتحدة عرضت عضوية المجلس على السعودية فرفضته احتجاجا على تقاعس مجلس الأمن فى اتخاذ التدابير الفعالة لإنهاء الأزمة السورية ولفشله فى حل القضية الفلسطينية.

والحقيقة أن رفض الدولة لشغل مقعد مجلس الأمن بعد أن سعت إليه هو أمر غير مسبوق ويحتاج إلى التدقيق والتمحيص.. فموقف مجلس الأمن بالنسبة للقضية الفلسطينية معروف ومستمر منذ إنشاء الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الملزمة التى لم تنفذها إسرائيل تعد بالعشرات، والموقف بالنسبة لسوريا أيضا لم يكن مفاجئا.. فبعد دخول «القاعدة» وعناصر الإرهاب الدولى بقوة إلى المشهد السورى، أعادت الولايات المتحدة حساباتها ولم يعد التخلص من الأسد يشكل عنصرا من الحل بل لعل استمرار ورقة الأسد ونظامه ــ ولو بدون بشار ــ أكثر قبولا الآن.

إذن فما الذى دعا السعودية لاتخاذ هذا القرار المفاجئ.

بداية أقول إن سعى السعودية للحصول على مقعد مجلس الأمن كان تغيرا كبيرا فى السياسة الخارجية السعودية فى حد ذاته.

فبالرغم من أن السعودية هى إحدى الدول العربية السبع الموقعة على ميثاق سان فرانسيسكو والمؤسسة للأمم المتحدة إلا أنها لم تسع لعضوية مجلس الأمن طوال السبعين سنة الماضية. وكان هذا أحد مظاهر السياسة الهادئة التى ظلت هى السمة الرئيسية للسياسة الخارجية السعودية والتى تفضل العمل فى الكواليس ولا تحبذ المواجهات على مسرح الأحداث.ويلاحظ المراقبون ذلك فى مجالات عديدة فعلى سبيل المثال فإن السعودية التى كان لها الفضل الأكبر فى إنشاء منظمة التعاون الإسلامى والتى تستضيف مقرها فى جدة، لم تسع إلى الحصول على منصب الأمين العام طوال الخمسين سنة الماضية سوى هذا العام.. فهناك تحول فى النهج السعودى الدولى لا شك فيه..

 

لقد أرادت السعودية بهذا الموقف العلنى الرافض لعضوية مجلس الأمن إرسال رسالة غاضبة ليس إلى الأمم المتحدة بل إلى الولايات المتحدة وسياساتها فى المنطقة.. وفضلا عن ذلك فالسعودية أعادت حساباتها فوجدت أن عضويتها بمجلس الأمن سيعرضها لضغوط كثيرة.. ولنأخذ مثلا التسوية السياسية التى تلوح ملامحها فى الأفق للملف النووى الإيرانى الشائك.. وهو شائك لأنه يتضمن عناصر كثيرة وتسويته ستكون على حساب المبادئ وعلى أساس من ازدواجية صارخة فى المعايير.. وهذه التسوية سيتم عرضها على مجلس الأمن لأن الموضوع مدرج على جدول أعماله منذ أن أحالته الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المجلس.. وأعضاء مجلس الأمن غير الدائمين سيخضعون لضغوط شديدة لتمرير هذه التسوية.. فما الذى ستجنيه السعودية من الارتباط بهذه «الزفة» الإيرانية ــ الأمريكية؟ وفضلا عن ذلك فإن طرح الموضوع النووى الإيرانى يثير دائما فى أذهان العرب موضوع السلاح النووى الإسرائيلى ومن المعلوم أنه مطروح على الأمم المتحدة وعلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة الذرية وذلك منذ سنوات عديدة ولم يتم اتخاذ أى خطوات عملية على طريق التنفيذ.

 

لقد حققت السعودية بهذه الخطوة الدبلوماسية الجريئة أهدافها بالابتعاد عن الموضوعات الشائكة وسجلت غضبتها الرسمية والعلنية لأول مرة إزاء سياسات الولايات المتحدة وحصلت ــ فى نفس الوقت ــ على قبول شعبى عربى على نطاق واسع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved