داعش أوروبا وأمريكا.. كيف البداية؟

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 21 نوفمبر 2015 - 10:30 ص بتوقيت القاهرة

أرسلت داعش منذ عامين إلي الرئيس أوباما بعنوان "إلي أوباما كلب الروم " .. ولو أن عاقلاً من الغرب أو الشرق قرأ هذه الرسالة لسخر من عقول داعش وأخواتها ؟ وفهمها للتاريخ الإسلامي الذي لم يعجبها فيه أي موقف للرحمة أو العفو أو الصفح أو التسامح أو إعلاء قيمة الإنسان سواءً من الرسول "ص" أو من صحابته .. وتوقفت فقط بطريقة ساذجة أمام كلمة غاضبة لأحد الخلفاء تهديداً لملك الروم مقابلة لتهديده .. وهذا الخليفة ليس حجة في الشرع ولا قوله دليلاً في الدين .. ولكن داعش تركت الإسلام كله برحمته وشفقته .. وتركت رسالة الرسول "ًص"إلي "هرقل عظيم الروم " وإلي"المقوقس عظيم مصر " .. وأعجبها قول هذا الخليفة الذي كان يملك من القوة والمنعة ما يؤهله للتهديد والوعيد .. فإذا بداعش تسحبه دون تعقل علي زمان غير زمانها وأشخاص لا يتناسب معهم هذا القول .. وترتدي لباس قوة لا تملكها وبأس لا تعرفه .

وكل من قرأ خطابها سخر من عقلها .. فما علاقة أمريكا بالروم ؟! وما علاقة أوباما بالروم وهو أسود من أصول زنجية وصل بعلمه وفكره وحرية بلاده ومساواتهم بين الناس إلي أرفع المناصب .

هذه القصة البسيطة أو الملهاة تدل علي عمق المأساة الفكرية التي تعيشها القاعدة وداعش وأخواتهما .. وتنبيء أن أزماتها تنبع من فهمها السقيم للدين .. وخطابها الذي نشأ لسنوات طويلة في البلاد العربية التي تخلفت حتي في فهمها للإسلام .. ثم نقلت هذا التخلف في خطابها وفكرها وفهمها للإسلام إلي الغرب حينما تصدت للدعوة الإسلامية هناك .

إن انتشار فكر القاعدة وداعش بين الأوربيين والأمريكيين من أصول عربية أو إفريقية هو نتيجة حتمية للخطاب الذي ساد في أوربا وأمريكا في الثلاثين سنة الماضية والذي يركز علي قداسة الجماعات أكثر من قداسة الإسلام .. ويزرع الكراهية لا الحب كأصل وأساس .. ويجعل العداوة هي الأصل بين المختلفين دينياً ومذهبياً بدلاً من التعايش .. ويتوسع في سد الذرائع في بلاد لا يستطيع أن يعيش المسلم فيها إلا بفتح الذرائع وهي قاعدة فقهية عظيمة غفلت عنها معظم التيارات الإسلامية .. ويهتم بالتحريم والتشديد ويترك أولويات الإسلام كلها ولا يهتم إلا بفرض النقاب وتحريم الموسيقى .. ويسأل عن مسائل الخلاف قبل الاتفاق .. حتي أنه لم يكن للخطاب الإسلامي في الغرب اهتماماً أشد من اهتمامه بتكفير معظم حكام العرب .

وابتدع خطاب الدعاة في الغرب قاعدة "علماء السلطان "نقلاً عن الشرق لهدم معظم علماء الأزهر أو العلماء الوسطيين ..وهي قاعدة بغيضة أرساها البعض لهدم كل من لا يروق له وهي ليست من الإسلام في شيء .. فالحق إن صدر عن يهودي أو مسيحي أو حتي ملحد أو قريب أو عدو للسلطان فهو حق ..والباطل إن صدر عن أي أحد فهو باطل سواءً كان قريباً من السلطان أو خصما له.. فالحق لا يعرف بالرجال .. والحق قديم .

والغريب في الأمر أن تجد الداعية في لندن مثلاً أكثر تشدداً من نظرائه في بلاد المسلمين .. ومسرفاً في التحريم ومكثراً في الطعن في العلماء الأوائل وخاصة الزهاد منهم .. ففي إحدى مساجد لندن خصص الخطيب عدة جمع ليطعن في رابعة العدوية ..أو عدة خطب في تحريم الصلاة في المساجد التي بها قبور مع أن أوروبا كلها ليس فيها مسجد فيه قبر .. وبعضهم يخطب عن حكم اللحية أو النقاب أو التصوير أو حرمة الآثار ..وفي كل مرة يأخذ الآراء التي لا تتناسب مع هذه البلاد ولا مع المسلمين فيها .. أو يتبني الآراء التي لم يجمع عليها العلماء الأوائل الذين عاشوا في هذه البلاد وخبروها .. أو يتحدث بطريقة ساذجة وكأن كل من وقف أمام تمثال رمسيس الثاني سيخر ساجداً له ..والبعض قد ينتج خطاباً يشتم فيه الغرب ليل نهار دون وضع لبنة واحدة لبناء لوبي إسلامي إصلاحي هناك في الوقت الذي يقوم فيه اليهود ببناء صروح العلم والاقتصاد والسياسة وبناء لوبي إيجابي ينصر قضاياهم ويجمع شملهم ويلم شعثهم ويدعم دولتهم بحكمة وصمت ودون ضجيج .

أما دعاة الإسلام في أوربا فقد حملوا خلافاتهم ونزاعاتهم الساذجة معهم من بلادهم العربية المتخلفة إلي أوربا .. فتارة يشتد النزاع هناك بين السلفية والصوفية .. أو بين السنة والشيعة .. أو بين الخليجيين والمغاربة .. أو بين السلفيين والإخوان .. أو بين محبي الشيخ محمد الغزالي وخصومه .. وهم كل فريق أو جماعة أو حزب أن تضم أكبر عدد من المراكز الإسلامية إليها وتحول بين خصومها وبين أكبر عدد من المراكز .

وبعضهم يحدث الانجليزي أو الفرنسي أو البلجيكي عن القاعدة أو داعش أو الإخوان أو السلفيين أكثر مما يحدثه عن الإسلام والقرآن أو يعرفه بالله وبرسوله .. ويهتم بإدخاله الجماعة أكثر مما يهتم بزرع الإيمان والأخلاق في قلبه.

ويعود ذلك إلي عدم التفريق بين الدعوة إلي الله والدعوة إلي التنظيم أو الجماعة .. فالدعوة إلي الله هي دعوة الرسل جميعاً .. أما الدعوة إلي التنظيم فهي أقرب للدعوة إلي "ذاتك وحزبك وفصيلك " .

وبعض الدعاة في الغرب لا هم له إلا نقل ما ألفه من عادات وترتيبات دعوية وتربوية ومعيشية عاش فيها طوال عمره في المشرق ..ومعظمها لا يتناسب مع أهل الغرب .. دون أن يقف لحظة واحدة ليتدبر أن ذلك كله ليس من الإسلام الذي جاء به محمد " ص" في شيء .. فيريد أن يأكل وهو جالس .. ويلزم البريطاني باللبس الباكستاني أو الأفغاني أو العقال الخليجي لمجرد أن العالم الفلاني الذي يحبه لبس ذلك .. وينسي أن رسول "ص" لبس كل أنواع الملابس في عصره .. فلبس ما ينتسب لمكة والمدينة والشام واليمن وغيرها .

إن هؤلاء لم يفهموا قول محمد الغزالي "رحمه الله " الذي كان يردد "لسنا مطالبين بنقل عادات عبس وذبيان إلي أوروبا وأمريكا ولكننا مطالبين فحسب بنشر الإسلام .

والغريب أن معظم المراكز الإسلامية في أمريكا وأوربا كانت تكره الشيخ محمد الغزالي وتهاجمه في خطبها وترفض وجود كتبه في مكتباتها مع أنها لو التزمت فكره ما ظهرت القاعدة ولا داعش ولا ميلشيات الشيعة التفجيرية .

لقد سئل الشيخ "محمد الغزالي"قديماً عن حكم التصوير وهل هو حرام ؟ فقال :"إذا كانت إسرائيل تصوركم وأنتم في بيوتكم بأقمارها الصناعية .. فاليوم تسألونني عن حكم التصوير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved