ردة قانون الجمعيات الأهلية

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 21 نوفمبر 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

ليس غريبا أن يصدر قانون بناء على اقتراح يتقدم به نواب من البرلمان. هذا وضع طبيعى ومنظم فى الدستور الذى ينص على أن مشروعات القوانين تقدم من الحكومة أو من النواب. ولكن ما حدث مع قانون الجمعيات الأهلية الذى أقره البرلمان الأسبوع الماضى من حيث المبدأ وأرسله إلى مجلس الدولة للمراجعة، ليس وضعا طبيعيا.

فبينما الحكومة والمجتمع المدنى مشغولان بمناقشة مسودات ومشروعات تشريع جديد يحل محل القانون المعمول به منذ عام ٢٠٠٢، فوجئ الجميع بمشروع قانون يتقدم به مائة وثمانون نائبا برلمانيا دون مقدمات، بل دون حتى استشارة الحكومة على نحو ما جاء على لسان وزيرها المختص بشئون مجلس النواب وفيما يمثل فى حد ذاته مخالفة دستورية خطيرة.

أنا من حيث موضوعه فإن القانون يعبر عن وجهة نظر لا ترى فى المجتمع المدنى سوى مصدر لتهديد الأمن والاستقرار، ونافذة للتدخل الأجنبى، وطريقا للتعبير عن الاحتجاج ضد سياسات الدولة، ولا تستوعب أن العمل الأهلى ركن أساسى فى بنية المجتمع المعاصر وأنه يقوم بدور مهم فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذه الرؤية ليست جديدة علينا، بل سيطرت على ملف الجمعيات الأهلية خلال السنوات الماضية، وظهرت بوضوح فى القرارات والتعديلات القانونية الأخيرة والاتهامات التى لاحقت القائمين على النشاط الأهلى. ولكن حتى فى هذه الظروف ظل هناك شد وجذب فى الحوار الدائر بشأن القانون المزمع إصداره، وظل هناك داخل الأروقة الحكومية من يقدرون أهمية النشاط الأهلى، وظل هناك احتمال ولو ضئيل لصدور قانون متوازن يحافظ على متطلبات الأمن القومى من جهة وعلى حرية العمل الأهلى من جهة أخرى. ولكن القانون الجديد جاء ليعبر عن ردة كبيرة وعن اتجاه متصاعد لغلق المجال العام. وأكتفى هنا بالإشارة إلى خمسة ملامح رئيسية فى القانون لعلها تعبر عن الاتجاه الذى يتبناه:

أولا: رغم أن القانون ينص على أن تأسيس الجمعيات يكون بالإخطار، إلا أن عدم تحديد المستندات المطلوبة فى القانون حصرا وإحالتها إلى اللائحة التنفيذية (مادة ٨) يعنى أن أجهزة الدولة سوف تتحكم فى تأسيس الجمعيات وفقا لمحض سلطتها التقديرية، وأنها تملك أن تغلق باب انشاء جمعيات جديدة أو فتحه دون قيد عليها ولا رقيب.

ثانيا: نص القانون على ألا يكون نشاط الجمعيات الأهلية داخلا فى إطار عمل الاحزاب أو النقابات المهنية أو العمالية أو ذَا طابع سياسى أو يضر بالأمن القومى أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة (مادة ١٣). وبعض هذه المجالات شديدة الاتساع والتنوع وغير معرفة فى القوانين، بما يجعل نشاط الجمعيات المسموح به غير محدد وبالتالى مهددا فى كل وقت بأن يكون مخالفا للقانون. ولنتصور مثلا حالة جمعيات حماية المستهلك أو مكافحة الغلاء أو مقاومة التمييز، وما الذى سوف تفعله لكى تضمن ان نشاطها لا يعتبر سياسيا ولا نقابيا ولا ضارا بالنظام العام.

ثالثا: أما بالنسبة للتمويل الأجنبى، فهو يشترط فى القانون الجديد الحصول على موافقة مسبقة على نحو ما كان معمولا به من قبل. ولكن بدلا من أن يقدم طلب التمويل إلى وزارة التضامن الاجتماعى، أنشأ القانون هيئة جديدة باسم «الجهاز القومى لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية» ومنحه صلاحية الرقابة على كل ما يتعلق بالتمويل الأجنبى وبالمنظمات الأجنبية، وضم فى مجلس ادارته ممثلى وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والعدل والتعاون الدولى والتضامن الاجتماعى والمخابرات العامة والبنك المركزى والرقابة الإدارية (مادة ٧٢). وهذا تعارض مع سلطة وصلاحيات وزارة التضامن الاجتماعى المعنية فى الأصل بكل ما يتعلق بالنشاط الأهلى. كذلك فبينما كانت القوانين السابقة تعتبر سكوت الجهة الإدارية على طلب الحصول على التمويل لمدة معينة بمثابة موافقة، فإن القانون الجديد عكس الآية اذ اعتبر عدم الرد على طلب التمويل وتجاهله لمدة ستين يوما بمثابة رفض له (مادة ٢٤). وهذا وضع قانونى معيب لأنه يشجع تجاهل الرد على الطلبات بدلا من رفضها بشكل صريح.

رابعا: ولو كان تقييد تلقى التمويل الأجنبى له ما يبرره من منظور الأمن القومى والتدخل الخارجى، فإن أعجب وأسوأ ما فى القانون الجديد أنه يقيد، وللمرة الأولى فى تشريعات الجمعيات الأهلية، تلقى التبرعات من المصريين(مادة ٢٣)، بل وينص على عقوبة الحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات لمن يتلقى مالا محليا ومن متبرعين مصريين دون الحصول على موافقة مسبقة (مادة ٨٧). وهذا تحول جذرى فى مناخ العمل الأهلى فى مصر ويحد من فاعلية كل انواع الأنشطة الخيرية والتطوعية والإنسانية التى لا يجوز أن تصبح رهينة موافقات ادارية وتراخيص حكومية وتهديدا بالحبس خاصة وهى لا تنطوى على أى تهديد من الخارج.

خامسا: ولكى يلقى القانون الرعب فى نفوس من يرغبون فى مزاولة العمل الأهلى ــ ولنتذكر أننا نتحدث هنا عن أعمال بطبيعتها خيرية وتطوعية ــ فقد جاء بحكم آخر غير مسبوق، وهو اخضاع جميع أعضاء مجالس ادارة الجمعيات الأهلية لقانون الكسب غير المشروع (مادة ١٥)، بينما هذا قانون صدر فى ستينيات القرن الماضى ليكون أداة الدولة فى مكافحة الفساد الحكومى، ولا يجوز أن تمتد ولايته على المجتمع المدنى، خاصة وأنه قانون محل خلاف دستورى لأنه يعتبر المتهم مدانا حتى تثبت براءته.

هذه بعض ملامح القانون الجديد وليست حصرا بكل ما فيه من قيود وعيوب على المجتمع المدنى وعلى حرية العمل التطوعى. وقد كنت أتصور أن معركة قانون الجمعيات سوف يخوضها أنصار الحرية والعدالة والعمل الأهلى ضد الحكومة وأجهزتها التنفيذية، وأنهم قد يلجأون فيها إلى مجلس النواب كى يساندهم ويقوم بدوره فى حماية الدستور والحريات. ولكن ما العمل وقد قبل البرلمان أن يكون ملكيا اكثر من الملك؟ أملى مع ذلك ألا تكون الفرصة قد ضاعت، وأن يسعى النواب الحريصون على مصلحة البلد إلى مراجعة أنفسهم حينما يعود القانون اليهم للإقرار النهائى حتى لا يفرطوا فى دستور هو أفضل ما خرجنا به من السنوات الخمس الأخيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved