بين المصالحة والفوضى

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 21 نوفمبر 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

ما بين التلميح بالموافقة على المصالحة مع النظام، إلى دعوة من أسمتهم «القوى الثورية ورموز الثورة» للاصطفاف واستكمال ثورة 25 يناير، تأرجحت مواقف جماعة الإخوان المسلمين بنسبة 180 درجة، وهى تضع المراقبين فى حيرة شديدة حول الدوافع الغامضة التى جعلت الجماعة تتخذ هذين الموقفين المتضادين خلال يوم واحد فقط!

ففى مساء السبت الماضى، دعا إبراهيم منير نائب المرشد وأمين عام التنظيم الدولى للإخوان من وصفهم بـ«حكماء الشعب المصرى»، أو «حكماء الدنيا»، لرسم صورة واضحة للمصالحة بين الدولة المصرية وتنظيم الإخوان لتحقيق السلم للأمة، مؤكدا أن الإخوان «جادون فى هذا الأمر»، لكنه فى صباح اليوم التالى تراجع عن تصريحاته السابقة، مؤكدا أيضا أن «الإخوان جادون فى إيجاد مخرج، لكنهم لم يطلبوا المصالحة مع النظام ولن يطلبوها»، وهو ما تزامن مع بيان أصدرته الجماعة يؤكد أن تصريحات منير تم تحريفها، رغم أنه لم يتم تحريفها إطلاقا، وأنه لا بديل عن عودة مرسى للحكم مرة أخرى !

خلال اليومين الماضيين، انتشر العديد من التفسيرات لموقف الجماعة، بعضها قال إنها تغازل الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب الذى يناصب التيارات الإسلامية العداء، وينوى وضع الجماعة فى قائمة التنظيمات الإرهابية، والآخر أشار إلى أن تراجع شعبية النظام فى مصر يقدم لها فرصة لتستعيد بعضا من جماهيريتها وسط قطاعات شعبية مصرية لم تعد تثق بها، فى حين رأى فريق ثالث أن السبب وراء تلميح الإخوان بالمصالحة هو استجابة لجهات أجنبية طلبت منهم ابداء بعض المرونة للبحث عن حل للأزمة السياسية فى مصر، فى وقت قالت تفسيرات أخرى إن الأمر كله مجرد صراعات بين جناحى الصقور والحمائم داخل الجماعة.

أيا كان الأمر، فمن غير المعقول أن يتورط رجل بثقل إبراهيم منير الدولى وبأهميته الكبيرة فى التنظيم، فى اطلاق تصريحاته حول المصالحة، بدون أن يكون هناك هدف ما من ورائها، خاصة وأن عدة صحف غربية مهمة أشارت خلال الأسابيع الماضية إلى ضرورة تحقيق هذه المصالحة، بل إن بعضها تحدث بصراحة عن وجود اتصالات بشأنها، وأن هناك مرونة بين أطراف الأزمة فى مصر فى التعاطى معها.

حتى الآن، الخلاف بين النظام والجماعة ينحصر فقط فى شروط هذه المصالحة، وليس حول مبدأ المصالحة نفسه، فالنظام لا يمانع فى مشاركة اعضاء الجماعة الذيم لم يتورطوا فى العنف فى العمل السياسى، وأن تتفرغ الجماعة للعمل الدعوى فقط بدون أى توجهات سياسية، فى حين تشترط الجماعة إعادة الأوضاع لما قبل 3 يوليو 2013، وهى شروط لا يبدو أن أيا من الطرفين سيقبلها، إلا أن موازين القوى الداخلية والدولية قد تفرض عليهما معا الوصول إلى حل وسط، وهو أمر يبدو انه صعب المنال الآن، إلا أن تفاقم الأوضاع المعيشية فى مصر، والتوقعات بزيادة حدتها مستقبلا قد يحمل مفاجآت سياسية، خاصة إذا صاحبت هذه الأزمات الاقتصادية توترات اجتماعية صاخبة!

المصالحة الحقيقية لن تحدث فى مصر، إلا إذا تراجع النظام عن توجهاته غير الديمقراطية، وعن قناعاته بأن الشعب المصرى غير مؤهل لها الآن، وعن نظرياته البائسة حول التوازن بين الأمن والحريات، وأيضا عندما تدرك الجماعة أنها ارتكبت أخطاء وخطايا فى حق الشعب المصرى، وأن تكالبها على السلطة افقدها ثقة غالبية المصريين الذين كانوا يعلقون عليها آمالا إصلاحية كبيرة، وأن تعتذر بوضوح وبصراحة عن تراجعها عن كل وعودها السياسية التى أعلنتها قبل وصولها للحكم.

مع ضعف التيارات اليسارية والليبرالية، وقلة حيلة وفعالية البرلمان والأحزاب السياسية، وإحكام السلطة لقبضتها الأمنية على مفاتيح العمل السياسى،يبدو فتح المجال العام أمام كل القوى الجماهيرية هو المخرج المتاح الوحيد لاستعادة حيويتنا السياسية الغائبة.. وقبل ذلك كله، لتجنب فوضى تتراقص أشباحها فى الأفق!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved