صحيفة المغرب ــ تونس «شهادة للتاريخ» عن الخروج من التاريخ

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 21 نوفمبر 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى قامت فيه بتحليل ما كتبه راشد الغنوشى بشأن القرارات التى اتخذها الرئيس قيس سعيد فى يوليو الماضى وخاصة تجميد أعمال البرلمان التونسى، وهو ما تراه يدل على عدم قدرة الغنوشى على الاعتراف بما ارتكبه من أخطاء فى حق الشعب التونسى... نعرض منه ما يلى:

ما المبرر وراء كتابة راشد الغنوشى «شهادة للتاريخ: كيف نقوم حدث 25 يوليو وكيف نتعامل معه؟» فهل شعر الشيخ بأن التونسيين بحاجة إلى فهم الأسباب التى أدت إلى «الانقلاب» وتقويم حدث 25 يوليو فقدم قراءته باعتباره رئيس البرلمان التونسى المُجمدة أعماله ورئيس حركة النهضة؟ أم أن الشيخ هو الذى يشعر بأنه بحاجة ماسة إلى فرض وجوده وتذكير التونسيين بأنه لايزال فاعلا سياسيا ومفكرا وشاهدا على التاريخ؟ ثم لم اختار الغنوشى تنزيل مقاله ضمن جنس «الشهادات التاريخية»؟

يتفطن المطلع على هذا المقال/الشهادة إلى أن الأسباب التى مهدت لسعيد باقتناص الفرصة والاستيلاء على السلطة تعود بالأساس، حسب قراءة الغنوشى، إلى عوامل تتجاوز حركة النهضة ورئيسها فـ«عودة النظام القديم إلى الساحة سنة 2012 أربك المشهد وأطاح بموازين القوى». ولا يمكن تجاهل فشل «قوى الثورة، وقوى 18 أكتوبر2005 فى تجميع صفوفها وإقامتها لـ«تحالفات غير مبدئية». أما الفشل فى تحقيق التنمية فإنه يعزى إلى كثرة الطلبات و«أن انتظارات جمهور الثورة فى التنمية كانت عالية لم تسعف حكومات الثورة فى تحقيقها أمام الخبرة المحدودة للحكام الجدد وأمام ضغوط النقابات وصولة الإعلام والأوضاع الإقليمية المضطربة». تضاف إلى كل ذلك «هجمة الثورات المضادة والأوضاع الإقليمية غير المناسبة إلى جانب حداثة خبرة رجال العهد الجديد».

تتشابك العوامل الخارجية مع نزعات الاستئصال ورفض سياسة التوافق و«دخول موجات شعبوية عاتية متجاوزة كل أفق وسطى أو توافقى، كل ينشد الحق المطلق ويشيطن خصومه قيس، عبير، الكرامة، اليسار...» و«أحزاب استئصالية كحركة الشعب أو يغلب عليها ذلك لتؤدى إلى غضب شعبى تحول إلى ترحيب بـ«الانقلاب».
أما حزب النهضة فإنه الحزب الأكبر الذى لا ينفك عن تقديم التنازلات، يضحى بوحدته وانسجامه فى سبيل مصلحة تونس، وهو ممثل القوى الثورية الذى وفر للجيل الجديد مناخا ملائما حتى ينعم بالاستقرار والحرية واحترام دولة القانون، وهو الذى جاهد فى سبيل انتزاع مكانته ولم يغنم إلا بعض المواقع، وهو الذى جعل تونس «أيقونة الديمقراطية» وبفضل حكمة شيخ الحزب تتالت «التكريمات» والجوائز العالمية. كما أن الحزب يتقن المناورات السياسية ولذلك أسقط حكومة الفخفاخ «الذى كان تحيزه واضحا لحزبى الرئيس (الشعب والتيار) وكان مغرورا، لا يتردد فى التصريح بعدم مبالاته بِنَا ونحن أقوى حلفائه».
ويبدو المشيشى فى نظر الشيخ «ضعيفا محاطا بشرنقة من أصحاب المصالح» أما قيس سعيد فهو المسئول عن الأزمة السياسية وهو مروج لليوتوبيا والأوهام ومتناقض فى مواقفه وغير مدرك لما سيؤول إليه الأمر فالمعارك «يوم لك ويوم عليك».

وتجمع هفوات الحركة فى عدم «التقاط نبض الشارع»، وأن «اختيار الحركة غير الموفق للأسف للحبيب الجملى لرئاسة الحكومة» وأنها لم تملك «الجرأة على اتخاذ قرار المغادرة ولو من طريق سحب الثقة من تلك الحكومة الميتة أصلا بعد أن فرض عليها قيس الشلل بتعطيله للتحوير كتعطيل للمحكمة الدستورية، بل إن آخر دورة لمجلس شورى النهضة قبل الانقلاب، قرر مواصلة دعم المشيشى بنسبة 90‎‎% دلالة ذلك على ضعف فى وعى النخبة وإرادة القرار».

وهكذا ينزه الغنوشى نفسه عن ارتكاب الأخطاء والاستبداد بالرأى وسوء التقدير، وينفى مسئوليته وعدد من القيادات فى استشراء الفساد بما فيه الفساد فى قطاع القضاء، وإضعاف مؤسسات الدولة، واتباع سياسات الإفلات من العقاب والغنيمة وانتشار الإرهاب إلى غير ذلك من الأزمات التى تخبطت فيها البلاد.

لا تُخالف هذه «الشهادة» توقعات التونسيات والتونسيين وقناعاتهم بأن الغنوشى قد مات سياسيا وأنه صار خارج الفعل السياسى. فالرجل غير قادر على رؤية الأمور من منظور النقد الذاتى، وغير مستعد للإقرار بالأخطاء التى ارتكبها فى حق الشعب التونسى وغير مدرك لخلو خطابه من المقومات الرئيسية التى تجعله مؤثرا فى الشعب التونسى.

إن خطابا يتأسس على الاستعلاء وثنائية النحن/هم، الخير/الشر... ويبحث فيه صاحبه عن شماعة يلقى عليها الأخطاء ويبرئ نفسه من المسئوليات الجسام والأخطاء الكبرى ولا يملك الشجاعة لتقويم ذاته... خطاب عديم الجدوى وفاقد للقيمة وبعيد عن إيطيقا الاعتراف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved