لا للاستقرار

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 21 ديسمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

باسم الاستقرار حكم الرئيس السابق حسنى مبارك مصر ثلاثين عاما لم نشهد خلالها حياة ديمقراطية حديثة تحترم فيها الحريات ولا تصان فيها حقوق الإنسان.

 

باسم الاستقرار يسجل البعض للرئيس مبارك حفظ مصر من شرور الحروب وويلات النزاعات المسلحة فى منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، ويقارنون بما جرى ويجرى فى السودان والعراق.

 

باسم الاستقرار تمسكت الولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية مع نظام مبارك وغضت النظر عن تزوير الانتخابات والتنكيل بالمعارضين، وارتضت بالاستقرار مبررا لعدم المناداة بإحداث تغييرات ديمقراطية حقيقية. باسم الاستقرار استباح جهاز أمن الدولة السابق كرامة الإنسان وانتهك قدسية البيوت، واعتقل وعذب وأرهب.

 

وباسم الاستقرار رأى قادة الحزب الوطنى السابق أن أحداث يوم 25 يناير2011 تستهدف إحداث فتنة فى مصر تؤدى لانهيار الدولة. باسم الاستقرار أراد الرئيس الأسبق مبارك أن يقود المرحلة الانتقالية بعد خروج ملايين من شعب مصر مطالبة برحيله. وباسم الاستقرار منح مبارك صلاحياته للنائب عمر سليمان، وفوضه قبل النهاية بإدارة شئون البلاد. وباسم الاستقرار أرادت إدارة باراك أوباما حدوث عملية «انتقال منظم Orderly Transition» على يد اللواء عمر سليمان بما لا يسمح بفراغ السلطة فى مصر.

 

•••

 

باسم الاستقرار تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم بصلاحيات غير محدودة، وباسم الاستقرار لم يمانع الشعب المصرى فى منح الفرصة لتجربة حكم العسكريين بطريقة مباشرة. وباسم الاستقرار تم استفتاء الشعب المصرى يوم 19 مارس 2011 على اعلان دستورى معوج تسبب فيما تواجهه مصر حتى اليوم من فوضى سياسية. باسم الاستقرار، ورغم عدم رسمه طريقا واضحا مباشرا نحو إنهاء الفترة الانتقالية وكتابة دستور دولة حديثة، مر الاعلان الدستورى بنسبة موافقة بلغت 77%،  فإن الاستقرار لم يتحقق حتى اليوم.

 

باسم الاستقرار خطط المجلس العسكرى لحكم مرحلة انتقالية لمدة ستة اشهر، وباسم الاستقرار استمر العسكريون فى الحكم لمدة سنة ونصف. وباسم الاستقرار حدثت انتهاكات عديدة، ووقعت مجازر فى أحداث شارع محمد محمود، وماسبيرو ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد، وخسرت مصر مئات الضحايا الأبرياء.

 

وباسم الاستقرار كاد الشعب المصرى يعيد إنتاج نظام مبارك بانتخاب الفريق أحمد شفيق رئيسا للجمهورية. وباسم الاستقرار أصدر الدكتور محمد مرسى، أول رئيس مصرى منتخب، إعلانا دستوريا يمنح نفسه فيه صلاحيات ديكتاتورية غير مسبوقة ومحصنة. وباسم الاستقرار تم التعدى على سيادة القانون وانتهاك السلطة القضائية. وباسم الاستقرار تم الاسراع بعرض دستور غير ديمقراطى، لا يلبى طموحات شعب قام بثورة ضد الاستبداد، لاستفتاء شعبى سريع.

 

باسم الاستقرار تم تحصين القوات المسلحة وما تتمتع به من سرية الميزانية، بل سمح أيضا بعرض المدنيين أما القضاء العسكرى فى حالات عديدة.

 

وباسم الاستقرار اقتربت مصر من الحصول على قرض صندوق النقد الدولى البالغ قدره 4.8 مليار دولار، وباسم الاستقرار يتم تهديد العمال المضربين ممن يطالبون بتحسين ظروف العمل والحصول على حقوقهم الاساسية. وباسم الاستقرار تتم الدعوة لضرورة عودة عجلة الانتاج للدوران.

 

•••

 

على مدى التاريخ عشق المصريون الاستقرار، ورغم ذلك وعندما إشتدت بهم آلام الاستبداد ثاروا، وأسقطوا النظام السابق، وكانت لهم الحرية. فإنه، لكى يتحقق استقرار طبيعى ليس مصطنعا علينا بناء دولة مؤسسات، وكتابة دستور لا يفرز بيئة ترعى براعم الظلم، وتضمن تكافؤ الفرص بين المصريين بما لا يفرز معه مرة أخرى ظروفا تدعم استبدادا جديدا.

 

تاريخيا تطورت الديمقراطيات الغربية فى دول مثل بريطانيا وفرنسا، وحتى فى الولايات المتحدة نفسها، بعدما دفعت شعوب هذه الدول ثمن ديمقراطيتها بالدماء، دماء الآلاف والملايين منهم، إضافة لسنوات وعقود من عدم الاستقرار على أصعدة عدة، إلى أن تحقق لشعوبها ما أرادت، لذا فهى تنعم اليوم برخاء واستقرار سياسى حقيقى.

 

ما حدث ويحدث فى مصر، سواء كان النجاح فى إسقاط النظام السابق، أو فوضى وتحديات بناء دولة حديثة ديمقراطية هو تفاعل صحى. ما حدث ويحدث من جدل وصدام وصراع بين المصريين حول طبيعة الدستور، ودور الدين، وهوية الدولة، ومكانة الحقوق وضمانات الحريات، هو تعبير عن منتج مصرى جديد خالص يصنعه شعب من 90 مليون نسمة، منهم 36 مليونا يعيشون تحت خط الفقر، ومنهم 32 مليون مصرى لا يعرفون القراءة أو الكتابة.

 

منذ أكثر من مائتى عاما قال بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة «هؤلاء الذين يضحون بالحرية مقابل الأمن.. و(الاستقرار) لا يستحقونهما». هناك اليوم من يريد أن يخير المصريين بين حريتهم أو أمنهم. لذا تشبه ثورة مصر اليوم «عملية الولادة التى يخرج فيها وليد جديد من رحم المجتمع القديم» طبقا لرؤية المفكر فريدريك انجلز. وحتى اليوم لم يقرر الشعب المصرى ما يريد من بين بديلين لا ثالث لهما. البديل الأسهل والمستقر والذى سيخرج منه الوليد غالبا مشوها، أو البديل الأصعب غير المستقر والذى سيخرج منه الوليد حتما عفيا قويا.

 

منذ مائة عام كتب المفكر العربى الجليل عبد الرحمن الكواكبى أن «المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا من حديد، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم، وكما يُقال: الاستعداد للحرب يمنع الحرب».

 

•••

 

لذا علينا جميعا أن نرفض دعوات الاستقرار الهش والسهل، وأن نختار تحقيق الاستقرار الحقيقى الصعب المتمثل فى التأسيس لدولة مصرية ديمقراطية.. لا يوجد بها أى استبداد ولا أى قمع من أى نوع.. يخدم فيها الحكام الشعب.. بغض النظر عن هوية الحاكم أو انتمائه السياسى أو الحزبى أو الدينى.

 

الحفاظ على الاستقرار غاية مقبولة فى دولة مثل السويد أو النرويج، أما تحقيق الاستقرار فى دولة مثل مصر بأوضاعها الحالية لا يمثل غاية مقبولة. الاستقرار ليس غاية الحياة إلا إذا إرتبط بتحقيق العدل والحرية وضمان الحقوق للجميع، خاصة الأقليات والنساء والفقراء.. وإلا فمرحبا بالمزيد من الفوضى ولا لهذا الاستقرار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved