الصلاة فى باريس

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 21 ديسمبر 2014 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

قبل ظهر يوم الجمعة الماضى كنت فى العاصمة الفرنسية باريس. كان معى المترجم العربى المتميز كمال الساسى وهو تونسى الجنسية. طلبت منه أن يدلنى على أى مسجد كى أصلى الجمعة. قال لى نحن الآن قرب مسجد باريس الكبير فى الدائرة الخامسة بالعاصمة. وقرب هذا المسجد توجد واحدة من أهم حدائق النباتات ومتحف كبير للحياة والأحياء الطبيعية.

ورغم علمانية الدولة بحكم القانون الشهير عام ١٩٠٥ الذى يفصل بصرامة بين الدين والدولة فإن الحكومة الفرنسية ساهمت فى إنشاء المسجد بنصف مليون فرنك فى عام ١٩٢٠ تقديرا لدور المقاتلين العرب فى صفوف قواتها فى الحرب العالمية الأولى وكانوا من المهاجرين الأوائل ومعظمهم من الجزائريين ــ بحكم أن فرنسا كانت تعتبر الجزائر جزءا أصيلا من أراضيها ــ لكن المغرب وتونس ساهمتا ايضا فى إنشائه. وتم افتتاح المسجد رسميا فى ١٥ يوليو ١٩٢٦بحضور الرئيس الفرنسى وقتها دو مارغ وسلطان المغرب يوسف بن الحسن.

عمليا صارت الجزائر هى صاحبة الكلمة العليا فى إدارة المسجد ويتولى رئاسة مجلس إدارته أو عمادته الآن الدكتور دليل أبوبكر الذى ورث المنصب عن والده الجزائرى ويشغل أيضا منصب رئيس مجلس مسلمى فرنسا.

دخلت المسجد فى الثانية عشرة والربع وعرفت أن صلاة الجمعة تحين فى الواحدة. الطراز المعمارى للمسجد شديد البساطة والتميز. نباتات وخضرة كثيرة فى المدخل الواسع ثم ممرات ونوافير وبعدها ساحة واسعة ومسقوفة بخيمة من القماش الواقى من المطر لكن بها بعض فتحات التهوية والإنارة الطبيعية.

فى هذه الساحة التى تتوسطها نافورة كبيرة مجموعة من الممرات الضيقة التى تتيح للمصلين الاستمرار فى ارتداء أحذيتهم وسط هذا المكان المخصص للصلاة بل ورأيت سيدة تمر من هذا المكان حيث يجلس الرجال للوصول إلى القسم المخصص لصلاة السيدات.

بعد هذه الساحة التى يبدو أنه تم تحويلها مكانا للصلاة بسبب كثرة المصلين يوجد القسم الرئيسى من المسجد وهو ليس واسعا جدا ويبدو أقرب إلى الشكل الدائرى وجدرانه مزينة بفنون العمارة الإسلامية المختلفة خصوصا المشغولات الخشبية

قبل الأذان الجمعة كان هناك خطيب يشرح ويفسر الآيات الأخيرة من سورة البقرة. يتحدث بالعربية ثم يقوم بترجمة كلامه إلى الفرنسية. تم رفع الأذان للجمعة وصعد الإمام للمنبر وكان ويبدو من لكنته أنه مغاربى وربما من الجزائر.

موضوع الخطبة كان عن انشغال المسلمين بالدنيا وإهمالهم الآخرة وقلت فى سرى وحتى الدنيا لم نفلح فيها.

اللافت أن جنبات المسجد كانت تشبه القاعة العامة للأمم المتحدة فى نيويورك. بها كل الجنسيات والأعراق والألوان لا يجمعهم إلا الإيمان بالله الواحد الأحد. غالبية المصلين من كبار ومتوسطى السن وقلة من الشباب. الأصول العربية تبدو واضحة خصوصا من المغرب العربى الكبير ووجود مصرى لافت أيضا. لكن هناك آسيويون وأوروبيين وهنودا.

بعد حوالى نصف ساعة انتهت الخطبة واختفت منها أى إشارة للسياسة وتقلباتها خصوصا ما يحدث فى المنطقة العربية. أقيمت الصلاة وكان الازدحام كبيرا خصوصا فى ظل صعوبة الصلاة خارج المسجد بسبب الأمطار الكثيفة.

انتهت الصلاة وتجولت فى أرجاء المسجد ثم خرجت وسط الزحام وأنا أفكر فى الكارثة التى أحدثتها سلوكيات وأفكار داعش وكيف أنها حولت معطم العرب والمسلمين فى أوروبا وكل العالم إلى متهمين بالإرهاب والهمجية إلى أن يثبت العكس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved