الأبطال.. سينما تدعونا لإشهار سيف الإرادة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأربعاء 22 ديسمبر 2021 - 10:07 ص بتوقيت القاهرة

أعظم ما فى السينما هى لحظة الإلهام التى تتسلل إلى وجدانك ويقشعر معها بدنك وتهز عقلك.. تنتفض معها للشعور أنك بطل أو يمكنك أن تكون بطلا.. والبطولة هنا ليست مستحيلة أو بعيدة عنك، فقط احلم وتمسك بحلمك، قاوم، اقهر، أشهر سيف مخزونك من الإرادة والطموح، مهما كان عجزك.. أنت أقوى من أن تكون عاجزا.
هكذا كان شعورى عقب مشاهدة النسخة السعودية الجديدة من الفيلم الإسبانى الشهير «الأبطال» Campeones للمخرج الإسبانى خافيير فيسر، والذى دار حول مدرب كرة سلة يعمل مع فريق من اللاعبين المعاقين ذهنيا.
النسخة الجديدة من «الأبطال» للمخرج مانويل كافو، والذى عرض بمهرجان البحر الأحمر، وقام ببطولته مجموعة من المعاقين، تروى فى إطار كوميدى رياضى إنسانى قصة خالد «ياسر السقاف»، مساعد مدرب متعجرف بفريق كرة قدم كبير فى الدورى السعودى هو نادى الاتحاد، ذات يوم، بعد مباراة مُرهِقة، أدى إحباطه وسلوكه السيئ إلى محاكمته التأديبية بعد أن هاجم كاليد رئيسه، المدرب الإسبانى، يفقد وظيفته ويحكم عليه بأبشع عقوبة على غروره: تدريب مجموعة من اللاعبين ذوى الإعاقات الذهنية؛ ولكن فى النهاية ما كان يمثل مشكلة بالنسبة له سينتهى به إلى أن يأخذ درسا فى الحياة لن ينساه أبدا من خلال براءة وحنان وروح الدعابة التى يتمتع بها عناصر فريقه الجديد، سوف يعلمون خالد أشياء مهمة، وهى كيف تتواءم مع حياتك وكيف تحترم الآخر وحقه فى أن يكون له هدف رغم عجزه وقدره، ويستطيع خالد أن يقاوم كل الظروف الصعبة من إحباطات وخلافات مع خطيبته ندى «فاطمة البنوى»، وأن يمسك بحلم البطولة، وبالفعل نعيش عبر مجموعة من المشاهد التى تجمع بين العاطفة الجياشة وكوميديا الموقف النابعة من الأداء التلقائى والتعبيرات الصادقة للأبطال، لحظة انطلاق هؤلاء المعاقين ذهنيا والتعامل كفريق واحد يعرف طريق الفوز حتى يصل إلى المباراة النهائية فى الدورى، نعم هم لم يفوزوا بالدرع، لكنهم فازوا باكتشاف أنفسهم كونهم بالفعل بشرا أبطالا يمكنهم أن يحققوا شيئا بالإرادة، كما عاد مدربهم ليكسب احترام خطيبته وثقة المسئولين الذين تعاقدوا معه لتدريب فريق كبير فى الدورى بعد ذلك الإنجاز.
أجمل ما فى الفيلم بساطته ببث روح التفاؤل، أعترف أننى لم أستطع أن أمنع دموعى فى مشاهد كثيرة تقطر إحساسا بأننا نستطيع أن نكون أنفسنا حتى لو كنا معاقين أو انكسر جوانا شىء، ومع رحلة هؤلاء الأبطال شعرت كم أنا ضعيف أمام ضغوطات الحياة، لكن مع مشهد النهاية انتفض بداخلى شىء هو: ولماذا لا أنجح أنا أيضا؟
طزاجة السيناريو وتلقائية الحوار وسطوع الصورة وبراءة العلاقات بين الشخصيات وتحقيق التوازن بين الخير والشر للظروف والمواقف المختلفة التى تخلقها الحبكة منحت الفيلم بعده الانسانى العالمى وهو المطلوب، وقد تم تكييف ذلك السيناريو الذى اشترك فى كتابته مرام طيبة ووائل السعيد ليغزل مجموعة متنوعة من الشخصيات لتبدو القصة ثرية بالعديد من اللحظات الهزلية المدهشة مثل التحول المثير للاهتمام فى شخصية خالد، فالأطفال يؤثرون على طريقة تفكير المدرب وسلوك حياته وتعامله مع الناس، إنه مغرور، لكن هؤلاء الأطفال يجعلونه أكثر نعومة وهدوءا وتفهما، ويمكنك رؤية ذلك طوال الفيلم، كما نجح المخرج فى تطويع شخصياته لتكون بمثابة النموذج المثالى فى وصول الرسالة من حالة عدم تقبل المجتمع إلى احترام كبير.
قدم ياسر السقاف فى تجسيده لشخصية خالد أداء مميزا مفعما بالمشاعر والحيوية، والتقلبات المزاجية وهو ينتقل من حالة اضطراب إلى يقين وإيمان برسالته، وخالد الحربى فى شخصية ناصر مسئول المدرسة، وكذلك فاطمة البنوى فى شخصية خطيبته ندى، يمكنك أن ترى التنوع بين ياسر وفاطمة والأطفال.. وكانت لفتة ذكية عدم الاستعانة بممثلين محترفين لتصوير ذوى الإعاقات الذهنية، هذا يتعارض مع الرسالة التى يحاول الفيلم ارسائها، وبالفعل فإن الأولاد وهم من الشباب المنتمين إلى (مركز المساعدة) بدوا ممثلين رائعين، حيث صورهم الفيلم على أنهم بشر فريدون وموهوبون قادرون على التمتع بحياة خاصة بهم وبروح دعابة تحظى بالاحترام، عبر كوميديا متفاوتة لكنها مدروسة بشكل رائع بتوازن القصة والحياة العاطفية المهملة لخالد وخلفيته المهنية والتفاصيل الخاصة بكل لاعب كشخصية بشخصية فريدة تتوج بنهاية نعرف أنها قادمة، تحاول إعادة اختراع عجلة «الشعور بالرضا»، وقد واجهوا جميعا صعوبات فى الحياة الواقعية.
دون شك الفيلم الاسبانى الأصلى، أحدث تأثيرا برسالته الإيجابية وأظهر قدرات وروح الأشخاص ذوى الإعاقات الذهنية، وكيف ينبغى التأثر بهم كأبطال، وحقق أربعة أضعاف ميزانيته فى شباك التذاكر الإسبانى، بينما لم يكن النجاح التجارى والتأثيرالاجتماعى للفيلم الأصلى هو ما ألهم آخرين لإعادة إنتاج الفيلم، ولكن أيضا قصة نجاح فريق كرة قدم سعودى حقيقى مؤلف من لاعبين من ذوى الإعاقات الذهنية فازوا ببطولة INAS «الاتحاد الرياضى الدولى للأشخاص ذوى الإعاقة الذهنية» أربع مرات متتالية.
فيلم «الأبطال» هو عمل مؤثر وحساس وأصيل لا يسعى إلى التلاعب العاطفى بالمشاهد بل يحاول الترفيه بطريقة صادقة.. هذا بالتأكيد ما تعنيه السينما الجميلة.. قصة عن قوة الصداقة والقبول والإنسانية والكرم الذى يحيط بمجموعة من الأشخاص ذوى الإعاقات الذهنية أنه «قصة للجميع».. وبحسب شهادة بطله: «دعوة للاستيقاظ لأولئك الذين لا يرغبون فى الخروج من طرقهم الصارمة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved