الشرعية الجديدة

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 22 يناير 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

بصرف النظر عما إذا كان الفريق عبدالفتاح السيسى حسم موقفه بالترشح لرئاسة الجمهورية أم لايزال يفكر فى الأمر فإن هناك دلائل عديدة تشير إلى أهمية تأسيس الحكم الجديد على «شرعية جديدة» تختلف بالتأكيد عن شرعية مبارك، وشرعية مرسى، والشرعية المرتبكة التى تشهدها مصر فى مرحلتها الانتقالية. الشرعية تعبر عن «رضاء الناس»، والظاهر أن الناس فى مجتمعنا سقف تطلعاتها ارتفع، بينما النخب السياسية والإعلامية فى حالة احتراب.

القول بأن الحكم يتأسس على شرعية ثورتى 25 يناير و30 يونيو لا يحل الإشكالية، بل يزيدها تعقيدا، لأن كلتا الثورتين لا تعبران عن نفس الجمهور، وذات التطلعات. فى الثورة الأولى ظهر تحالف مدنى إسلامى فى مواجهة نظام مبارك، ودولته بأجهزتها المتعددة. وفى الثورة الثانية ظهر تحالف ضم بعضا من ثورة 25 يناير إلى جانب نخب وساسة وإعلاميين محسوبين على نظام مبارك فى مواجهة تحالف إسلامى يقوده الإخوان المسلمون. ومنذ التحول السياسى فى 3 يوليو، نلحظ أن النزاع بين الشرعيتين يأخذ مناحى عدة، رغم أن هناك محاولات انتخابية لبناء تحالفات تجمع بين ثوار 25 يناير، وثوار 30 يونيو، والأحزاب المعبرة عن كليهما.

نعود إلى عالم السياسة الشهير «هارولد لاسويل» الذى أشار يوما إلى قضية أساسية أن كل نظام ينتج رموزه، والمجتمع يدخر بعضا من «حبه» ــ هكذا وصفه ــ لهذه الرموز، فإذا تداعت شرعية النظام فإن الناس تتجه إلى التفكير فى ذاتها، والتقوقع حول مصالحها. خرج الناس على شرعية «مبارك»، ولم يعد فى الإمكان استعادتها، وتكرر نفس الأمر مع شرعية «مرسى»، ولم يعد أحد يتصور إمكانية استعادتها. «الشرعية الجديدة»، ينبغى أن تستند إلى تحولات المجتمع فى السنوات الثلاث الأخيرة، من حيث تعدد مراكز التأثير والنفوذ، من شارع إلى قوى شبابية إلى مؤسسات حزبية إلى إعلام، الخ. وخلال الفترة الماضية حدثت انتهاكات بدا واضحا أن أعصاب المجتمع تنتفض لحدوثها، ولا يقبل وجودها.

الشرعية الجديدة ينبغى أن تستند إلى مفاهيم رئيسية هى: العدالة الاجتماعية، احترام حقوق الإنسان، التنافس السياسى، حكم القانون، الالتزام بالمواثيق المهنية والأخلاقية فى العمل الإعلامى، انتظام جهاز الدولة، وإصلاح المؤسسات العامة، إطلاق مشروعات تنموية تجتذب قطاعات عريضة من المجتمع، ولاسيما الشباب، الذى يهجو الكثير انصرافه، وعدم مشاركته فى استفتاء الدستور، كما تردد، ولكن لم يفكر كثيرون كيف يصبح هؤلاء الشباب طرفا رئيسيا فى تنمية المجتمع المصرى.

هذه هى ملامح الشرعية، التى كشفت التجارب السياسية، أنها تبقى وتدوم، الديمقراطية والإنجاز، التغيير والحرية، الفاعلية والتمكين. المجتمعات لا تبنى بالصراخ، أو تصفية الحسابات، أو بانتهاك حقوق الإنسان، أو بالاستدانة والعيش على المساعدات، أو بالحفاظ على الاقتصاد الذى يحابى الاغنياء على حساب الفقراء.

المسألة ليست سهلة بالنسبة للرئيس القادم، أيا كان، لأنه إذا أراد تأسيس «شرعية جديدة»، لا سبيل أمامه سوى إعادة هيكلة المجتمع، تفكيك اقتصاد الاستبداد، تمكين قطاعات عريضة من المجتمع، خاصة رقيقى الحال فى الشأن العام، وفتح المنافذ أمام الكفاءات، والحد من القيود التى تُفرض على الحريات العامة. ليست كل الأطراف تريد ذلك، وهناك من يستعد لقطع الطريق على أى شرعية جديدة تصطدم بمصالحه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved