أن تبقى فى الظل أفضل

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 22 يناير 2017 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

أن تبقى هناك تحت ظل الشجرة التى أثمرت لسنوات طويلة رغم شح العناية وقلة المياه وكثرة العابثين القادمين المحاولين أن يستغلوا ثمارها ويستغلوا ظلها للمصالح الشخصية البحتة. أن تبقى هناك فهو خير لك ولهم وللجميع بدلا من أن تتعلق بأغصانها فلا تنال ثمارها ولا تنال ظلها الدافئ. وهناك حيث الأغصان الضعيفة التى يحسبها البعض أنها الشجرة بقوتها تتضخم الأنا حتى تصبح كالسوسة تنخر فى الشخص فيما تبقى الشجرة تراقب بتوجس أولئك الذين لم يفهموا بعد أن للشجر حيوات متواضعة جدا، لذلك تبقى الأشجار واقفة فيما يسقط الكثيرون هنا وهناك كأوراق الخريف الصفراء.

بقيت الشجرة تراقب الوافدين من هنا وهناك تتطلع بالوجوه وتضحك منها أحيانا، وتبتسم عندما يكون ظلها مانعًا لفضول البعض، واثنان يتعانقان بعيدا عن الأعين تعرف الشجرة أنهما يبحثان عن مساحة للخصوصية منعها المجتمع والآخرون تحت مسميات مختلفة. يجلس المحبان تحت الشجرة يتهامسان وينشدان قصائد العشق المعتق بالتربة الطيبة.. ورغم ذلك يبقى العالقون فوق الأغصان الواهمون بأنهم أعلى من العلى، المتصورون أن الشمس لا تشرق إلا إذا فتحوا أعينهم وشربوا قهوة صباحهم، والقمر لا يسكن قلب الليل إلا باسدال ستائر نهاراتهم.. يبقى هؤلاء متصورون أنهم أعلى من الجميع وأكثرهم معرفة وخبرة حتى فى كلام الحب.. هم يتوهمون أنهم الأعلم بكيف يكون العشق الحق فيما هم حتما واهمون أو واقعون فى شرك الأنا المتضخمة.

***

صمدت الشجرة رغم كل ذلك وبقيت هى التى تبعد شمس آب (أغسطس) الحارقة ومطر وبرد كانون الثانى (يناير)، وهى التى حميت حتى أولئك العالقين ما بين بين، الذين أكثروا الكلام عن الثورات حتى تصوروا أنها تنجح بفعل الحديث على مقاعد المقاهى الشعبية أو ربما الحانات أيضا، أو هى فى فعل القذف بالكلمة قبل الفعل الحق.. بقيت الشجرة تعطف على هؤلاء رغم أنها تسخر منهم عندما تسمع حوارات العالقين بالأغصان الواهمون أنهم أعلى من العلو! تعرف أنهم كثيرون وأن ذلك يجهدها ويحملها ثقلهم إلا أنها تبقى كالأم تستمر بالعطاء حتى آخر قطرة عرق لأبناء جاحدون.

تعرف الشجرة أكثر من أى مخلوق تنوعات البشر وتلاوينهم التى ازدادت مياعا فى زمن لا تعرف فيه ليس من الصديق من العدو، بل من الثائر من المغامر من الباحث عن الشهرة، أليست هى سنوات ما عرف بـ «الربيع العربى» الذى لم يطل وقته ووئد سريعا؛ حيث تنوعت العوالم التى استهدفته ولم تكن كلها من السلطات الفاشية أو الديكتاتورية أو الحكم الفردى، بل كانت كثيرا من أبنائها وبناتها الذين ساهموا فى انقطاع الهواء؛ فكان أن رحل الربيع سريعا وحل خريف مظلم لم نر نهاياته بعد! جاء الخريف فتساقطت أوراق الشجرة ككل الأشجار المحيطة ولكنها أبقت بعض منه هنا وهناك خوفا على نفس أولئك العالقين بين أغصانها، فلولاها لما استطاعوا أن يبقوا يوما واحدا ولكن ليتهم يعرفون.. ليتهم يتواضعون بعض الشىء ويعترفون بأنهم، ما هم سوى بشر بسطاء جدا، فقراء إلى الله والخالق وأن هناك من يجلس تحت ظل الشجرة وهو يدرك حتما بأنه الأعلى ولكنه اختار أن يتواضع وأن يعرف أن لا علو اسوى فى السماء وأن البشر يبقون بشر أمام الأنبياء.

***

عاد من عاد ليستظل بالشجرة ويحافظ عليها بدمه أحيانا وعرقه وجهده، فيما بقى أولئك هناك على الغصون محاولين الوصول إلى رأس الشجرة متصورين أن من يتعلق بالغصن الأول قادر حتما أن يصل إلى الأعلى ويبقى هناك.. لهؤلاء يحق القول أن تبقى فى الظل خير أن تجاور العالقين بين الأغصان أو فوقها أو ما بينها. فالظل هو الأصل وهو الأكثر قربا من الأرض وترابها، ومن البشر ــ كل البشر ــ أولئك الذين لا يزالون يدفعون الأثمان باهظة بدمهم أحيانا وبهجرتهم واغترابهم كثير من الأحيان، أو التضحية بأغلى ما يملكون.. لأولئك جميعا يبقى المرء يردد أن تبقى فى الظل أفضل لك ولهم ولنا!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved