درس الأميرة الفاسدة

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 22 يناير 2020 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

لم يأت التحقيق الاستقصائى الذى نشرته صحيفة الجارديان البريطانية وعدد آخر من الصحف ووسائل الإعلام العالمية عن ثروة وفساد إيزابيل ابنة ديكتاتور أنجولا السابق إدوارد دوس سانتوس بأى مفاجأة. فقصة إيزابيل التى كانت تلقب بـ «أميرة أنجولا» ليست جديدة ولكنها تقريبا نفس قصة أبناء الرؤساء الذين يظلون فى السلطة سنوات طويلة، تفتح أبواب الفساد والتربح، وأحيانا الطموح السياسى ليس فقط لأبنائهم وبناتهم ولكن لكل من يمت لهم بصلة قرابة أو اقتراب.

التحقيق الاستقصائى الذى أجرته الرابطة الدولية للصحفيين الاستقصائيين، شارك فى إعداده نحو 120 صحفيا فى 20 دولة واطلعوا على 715 ألف وثيقة بحسب ما ذكرته كبريات الصحف العالمية التى نشرت التحقيق، وقال التحقيق إن السيدة إيزابيل التى تبلغ من العمر 46 عاما «استولت على خزائن البلاد» وكونت ثروة تجاوزت قيمتها المليارى دولار وهو ما يعادل نحو ثلث احتياطى النقد الأجنبى لأنجولا.

بالطبع نفت إيزابيل دوس سانتوس المعلومات التى ذكرها التحقيق واتهمت نظام الحكم الحالى فى أنجولا بالوقوف وراء نشر هذه المعلومات، وهو فى الحقيقة نفى يصعب تقبله، أولا لأنه لا يمكن أن تنساق صحف عريقة وعملاقة مثل نيويورك تايمز الأمريكية ولوموند الفرنسية والجارديان البريطانية وهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» وراء تسريبات غير صحيحة لحكومة أنجولا.

الأمر الثانى أن ثروة السيدة إيزابيل الحاصلة على شهادة جامعية فى الهندسة من جامعة كينجز كوليدج البريطانية، لم تتراكم إلا بعد عودتها إلى أنجولا فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، بعد أن عملت فى عدة شركات دولية خارج بلادها.

وتقول إيزابيل فى أول تغريدة لها على تويتر بعد نشر التحقيق «ثروتى ولدت من طباعى وذكائى وتعليمى وقدرتى على العمل والمثابرة».

ولو أن ذلك كذلك، فلماذا لم تتكون هذه الثروة خارج بلادها وبعيدا عن بركة رئاسة والدها ونفوذه؟ ولماذا ظلت مجرد موظفة فى هذه الشركة أو تلك خلال فترة وجودها خارج بلادها؟

قصة الأميرة إيزابيل وفسادها فى أنجولا هى قصة أبناء وبنات الرؤساء فى أغلب دول العالم الثالث، حيث البقاء فى السلطة إلى أن يشاء الله فلا يرحل عنها إلا مقلوبا أو مقتولا أو ميتا.

فقد تولى والدها إدواردو دوس سانتوس رئاسة البلاد فى سبتمبر 1979 بعد وفاة الرئيس الأول للبلاد أوجستينو نيتو، وكان عمر إيزابيل ست سنوات فقط، ولو لم يبتلِ الله أنجولا كما ابتلى أغلب شعوب العالم الثالث بأنظمة الحكم المستبدة، وحكم السيد دوس سانتوس البلاد فترتين رئاسيتين فقط حتى لو وصلت مدتهما إلى 12 سنة، لغادر السلطة، قبل أن تصل «الأميرة الفاسدة» إلى العشرين من عمرها، وقبل أن تعرف طريق الفساد واستغلال النفوذ. ولو كان هناك نظام حكم ديمقراطى وحرية رأى وتعبير لكان فى إمكان وسائل الإعلام والرقابة الشعبية قطع الطريق على فساد «الأميرة». ولكن لأن أنجولا تحت حكم دوس سانتوس الذى استمر نحو 38 عاما حتى أجبر على التنحى عام 2017 ظلت تحارب الإرهاب نيابة عن العالم ممثلا فى حركة يونيتا الانفصالية خلال الفترة من 1975 حتى 2002، لم يكن مسموحا بانتقاد الرئيس ولا رجاله لأنهم يحاربون الإرهاب، فترعرع الفساد.

البقاء الطويل فى السلطة هو رأس كل الشرور والفساد، وغياب الإعلام الحر الرقيب على أداء السلطة ورجالها وأقاربها وأصهارها هو الباب الملكى لظهور «أمراء الفساد» سواء كان فى أنجولا أو فى أى دولة أخرى. هذا هو الدرس المستفاد والمعاد من فضيحة «الأميرة الفاسدة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved