الكِتاب فى عصرنا

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 22 يناير 2022 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

 

ونحن على أعتاب معرض القاهرة الدولى للكتاب (من أحب المناسبات إلى قلبى يجب أن أعترف) يبدأ الكثيرون فى تحضير قوائم الكتب التى يريدونها من دور النشر المختلفة، بل إننى أرى البعض يذهب بحقائب سفر إلى المعرض حتى تكفى ما ينوون شراءه، تكلمنا فى مقالات سابقة عن تأليف الكتب ومن هو الشخص المؤهل لتأليف كتاب، وكان الحديث عن الكتب العلمية وليست الروائية، أما اليوم فسنتكلم عن الكتاب نفسه، هذا الاختراع العبقرى المسمى بالكتاب والذى يعتبره الكثيرون صاحب أفضل واجهة استخدام (user interface) فى التاريخ لأن أى شخص حتى الأطفال يستطيع استخدامه بدون تعليمات استخدام. هناك المؤلف والقارئ والمحتوى أما الكتاب فهى القطعة الرابعة لتكملة الصورة وهى الوسيلة.
فى عصرنا الحاضرأصبح عندنا الكتاب الورقى والإلكترونى والسمعى، فهل هذه الوسائل الثلاث متساوية من حيث الفائدة التى يطلبها القارئ؟ الأبحاث التى جرت فى هذا المضمار تقول إن الإجابة لا، فمثلاُ قامت بيث روجويسكى أستاذة التعليم بجامعة بلومسبرج فى ولاية بنسيلفانيا بتجربة: حيث قامت بتقسيم المتطوعين إلى ثلاث مجموعات (حسب شرح التجربة فى مقال بمجلة تايم) مجموعة استمعت إلى قطعة من كتاب عن الحرب العالمية الثانية والمجموعة الثانية قرأت نفس القطعة من كتاب إلكترونى أما المجموعة الثالثة فاستمعت للقطعة وهى تقرأها فى الكتاب الإلكترونى، ثم سألت كل مجموعة عددا من الأسئلة عن القطعة لترى أى طرق للقراءة أفضل، والمفاجأة أنها لم تجد شيئا لأن المجموعات الثلاث تقريبا حصلت على نتيجة متقاربة، لكن بعض الباحثين الآخرين أوضحوا أنه لو كانت هناك مجموعة رابعة قرأت من كتاب ورقى لحققت نتيجة أفضل، هناك بعض الدراسات التى وجدت أن التعلم من الشاشة أقل كفاءة من التعلم من الكتاب الورقى، وهذا مشابه للأبحاث التى ترى أن الكتابة باليد أفضل للتعلم من استخدام الكمبيوتر، طبعا هذه النتيجة ليست نهائية لكنها تعطى إرهاصة أن الكتاب الورقى لم يفقد بريقه بعد ولأسباب أكثر من مجرد التعود منذ الصغر على الكتاب الورقى.
أيضا وجدوا أن الإحساس بكم الصفحات الباقية حتى تنتهى من الكتاب الورقى يساعد على تخيل تتابع المعلومات وأن ما يحاول الكتاب الإلكترونى عمله من إظهار رقم الصفحة أو أية علامات أخرى (لأنك فى الكتاب الإلكترونى يمكنك أن تتحكم فى حجم الحرف مما يؤثر على عدد الصفحات) لا يعوض الإحساس بالكتاب الورقى.
هناك عامل نفسى آخر فى صالح الكتاب الورقى أنك عندما تنظر لمكتبتك تعرف ما قرأته وما ينتظر القراءة والعلاقة بين الكتب التى قرأتها وعندما يزورك بعض الأصدقاء ويرون كتبك فإن ذلك يعتبر حافزا لبدء مناقشات حول موضوعات الكتب وهذا ما لا يتأتى بسهولة مع الكتب الإلكترونية أو السمعية.
نوع الكتاب أيضا يحدد الوسيلة الأفضل، فلو أنك تقرأ رواية مثلا فالكتاب الصوتى قد يكون أسهل لأنك تسمعه أثناء سيرك أو قيادتك للسيارة إلخ، لكن لو كان كتابا علميا فالكتاب الصوتى ليس الأفضل لأنك قد تريد وضع خطوط تحت الفقرات المهمة أو كتابة ملاحظات وهذا لا يتأتى فى الكتاب الصوتى.
فى الكتب العلمية المتخصصة أو الكتب الدراسية قد يكون الكتاب الإلكترونى أفضل لأنه من الممكن أن يحتوى على مقاطع فيديو تساعد على الفهم أو روابط لمراجع أو أبحاث أخرى، بالإضافة إلى ذلك الكتاب الإلكترونى يساعدك على تجميع ملاحظاتك والمقاطع المهمة التى تريد الاحتفاظ بها من الكتاب والعودة إليها بسهولة، ذلك قد يعوض بعض الشىء أفضلية الكتاب الورقى فيما يتعلق بالفهم والتعلم كما ذكرنا، على العموم ما زالت الدراسات تتوالى عن أفضل الوسائط فالكتب الإلكترونية والصوتية ما زالت جديدة نسبيا.
هناك نقطة أخيرة متعلقة بالكتب الإلكترونية وهى البعد الاجتماعى، وأنت تقرأ الكتاب الإلكترونى سيُظهِر لك المقاطع التى وضع أغلب القراء خطوطا تحتها (أو ما شابه) لبيان أهميتها وللعودة إليها لاحقا وهذا قد يؤثر على رأيك أنت شخصيا، ولكن أيضا تلك المعلومات قد تستخدمها المواقع التى تتيح تلك الكتب الإلكترونية لتعرف أكثر عن شخصيتك وشخصية الناس فى منطقتك عن طريق تحليل ما يراه القراء مهما، تماما مثلما يحدث فى مواقع التواصل الاجتماعى.
دعنى أنهى هذا المقال بسؤال: ما هو وجه الاختلاف بين كتاب صوتى لرواية مثلا وبرنامج بودكاست يحكى لك قصة؟ على العموم بغض النظر عن الوسيلة فالقراءة مهمة وليست مجرد هواية، وكما قال العقاد: الجسم يغذيه ما يشتهيه فاقرأ ما تحب تستفد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved