سمكة فى المكتبة

محمد المخزنجي
محمد المخزنجي

آخر تحديث: الجمعة 22 فبراير 2013 - 4:25 م بتوقيت القاهرة

أخذت أتنقل بين رفوف الكتب قلقًا ملهوفًا وأنا أردد: «السمكة. السمكة. السمكة»، ومؤكد أن أهل البيت الذين كانوا يتابعوننى فى هذه الحالة قد ساورتهم بعض الظنون ولو لبرهة، فماذا يعنى أن أبحث عن سمكة بين الكتب؟ وقد كنت بالفعل أبحث عن سمكة!

 

والسمكة التى كنت أبحث عنها بتوتر، مخافة أن تكون قد ضاعت، أو أن يكون أحد قد اصطادها، هى كتاب بعنوان «السمكة فى داخلك»، من إصدارات مشروع كلمة الثقافى الظبيانى المتميز، للمؤلف وعالم المستحدثات الأمريكى نيل شوبين، وهو كتاب صغير ضمن مجموعة الكتب العلمية التى تحتويها مكتبتى، وأعتبرها كنزى الشخصى ضمن مجموعة من الكتب العلمية التى تتزايد باستمرار وتكاد تفوق فى العدد الكتب الثقافية الأخرى بما فيها الأدب، بل تتميز عندى بعناية خاصة وأنزعج إن هجست بغياب واحد منها، كما الكتاب الذى انتفضت أبحث عنه.

 

يسبر الكتاب مستحدثات أحياء الزمن السحيق بشكل مقارن، معالجًا التشابهات التكوينية العميقة بين الكائنات الحية فى أيامنا والكائنات البائدة فى الأزمان المنصرمة، فيكشف عن التقارب المدهش فى نُظم تكوين الأعضاء المختلفة عند الإنسان وعند الأسماك والبرمائيات والحيوانات المختلفة، عظام الأطراف، العيون، الآذان، الأسنان، وغيرها، كما يتعقب التشابهات المكتشفة حديثا بين جينات الثدييات وجينات العديد من الكائنات الحية الأخرى بدءا بالبكتيريا، أقدم المخلوقات على وجه الأرض، وصولا إلى البشر.

 

هذا النوع من كتب الثقافة العلمية الحديثة، لم يعد ينحو باتجاه تبسيط العلوم، بل أضاءتها، بالدقة التى لا تتنازل عن علو المادة العلمية، وبتوظيف فنون الكتابة وعلى رأسها السرد، لتحويل المادة العلمية الصارمة، إلى مواضيع جذابة ومشوقة، وأعترف أننى أجد فى مثل هذه الكتب من الفتنة ما يفوق الكثير من الأعمال الأدبية، خاصة والعلوم الحديثة، فى حقلى الأحياء والفيزياء على الأغلب، باتت تكتنز ما يضارع أقصى تألقات الخيال الأدبى، وبواقعية مُزلزلة للبلادة الفكرية، والاتباع السقيم، مما يعزز قيم الحرية المختلفة، التى لا يعرف قيمتها غير الأحرار.

 

وعلى ذكر الحرية والأحرار ونحن فى رحاب الذكرى الثانية لثورة 25 يناير الحضارية النبيلة، يحتوينى يقين بأن هذه الثورة صنعتها الحرية الإنسانية، واختطفها الانغلاق، ولا سبيل لاستعادة روحها النبيلة، إلا بالإصرار على استعادة قيم الحرية فينا ومن حولنا، ولقد وجدت «السمكة» فى مكتبتى، لأننى مكثت حريصا على وجودها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved