أوهام غرام واشنطن بالإخوان

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 22 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

منحت ذكرى تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك فرصة أخرى، وليست أخيرة، ليحكى البعض عن شهاداتهم حول الساعات الأخيرة داخل القصر الجمهورى. وخرج الدكتور حسام بدراوى ليقول فى أحد البرامج التليفزيونية إنه وخلال وجوده فى قصر الرئاسة خلال الأيام الأخيرة علم يقينا أن الولايات المتحدة كان لها دور بارز فى إجبار الرئيس السابق حسنى مبارك على التنحى، وأضاف أنه كانت هناك ترتيبات فى هذا الصدد بين جماعة الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية. وعلى نفس النحو سار خلال الأسابيع القليلة الماضية شخصيات سياسية وفكرية مهمة على غرار الأستاذ حسنين هيكل والدكتور سعدالدين إبراهيم، والدكتور محمد البرادعى.

 

وتعكس تلك التصورات توجهين صادمين، أولهما التقليل من دور وقوة ورغبة الشعب المصرى فيما جرى منذ 25 يناير وحتى الآن، وثانيهما مبالغة كبيرة فى حدود الدور الأمريكى تعكس بدورها عدم فهم أهداف واشنطن، ولا ديناميكيات صنع القرار فيما يتعلق بالشأن المصرى.

 

خرج الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى أثناء خطاب حالة الاتحاد بهجومه على القيادة المصرية، وقوله «لا يمكننا افتراض أن نملى نحن مسار التغيير فى دول مثل مصر، لكن يمكننا وسنصر على احترام الحقوق الأساسية لجميع الناس»، وقبل ذلك خرجت السفيرة الأمريكية فى القاهرة مهاجمة القيادة المصرية الحاكمة بصورة واضحة فى خطابها أمام نادى روتارى الإسكندرية، واتهمتهم بغياب مهارات القيادة وعدم اتخاذ القرارات المناسبة»، ولم يكف ذلك لدحض هذه الأوهام، ومازالت الأوهام موجودة.

 

●●●

 

عقب وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001، أجرت لجنة حكومية مستقلة تحقيقات موسعة لمعرفة ماذا ولماذا وكيف ومن قام بالهجوم. وحاولت عدة دول عربية توظيف ما لها من نفوذ وممثلين فى العاصمة الأمريكية للعمل على تشوية سجل جماعة الإخوان المسلمين ووصمه بالإرهاب وأنها الجماعة «الأم لكل الجماعات الإرهابية». وعرفت واشنطن وجود لوبى مؤقت حركته عدة سفارات عربية، منها السعودية والمصرية والإماراتية بهدف إلصاق تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى بجماعة الإخوان المسلمين. ذلك فى الوقت الذى أقتنعت فيه الدوائر البحثية والفكرية أن غياب الديمقراطية ووجود الاستبداد ودعم واشنطن لهذه النظم الفاسدة هو سبب مهم لخلق بيئة يسهل منها خروج إرهابيين.

 

وخلال سنوات حكم الرئيس مبارك الأخيرة حاول النظام المصرى اقناع واشنطن بعدم وجود بديل لنظام حكمه. ولم تمانع واشنطن فى قبول هذا المنطق، وغضت واشنطن الطرف عن عمليات القبض المتكرر على كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، وتقديمهم للمحاكمات العسكرية، وسجنهم لسنوات طويلة. إلا أنها اختارت أن تستغل اعتقال بعض رموز التيار الليبرالى مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم أو الدكتور أيمن نور للحصول على تنازلات مهمة من النظام المصرى فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمى.

 

واليوم تمتلئ واشنطن بمراكز الأبحاث المعروف عنها التشهير المستمر بكل ما يصدر عن الاخوان المسلمين سواء كان خطأ أو صوابا. لذا لا يكاد يخلو أسبوع دون خروج دراسة أو عرض يندد بسلوكيات جماعة الإخوان والرئيس مرسى.

 

●●●

 

تظهر البيانات الأمريكية عن الأيام الثمانية عشرة للثورة تطور الموقف الرسمى لإدارة أوباما طبقا لما أسفرت عنه تطورات الأحداث المتلاحقة داخل مصر. ولم تصدر الإدارة الأمريكية أى بيان يعبر عن تأييدها الكامل لمطالب الشعب المصرى بإنهاء حكم نظام الرئيس المصرى، وضرورة تنحيته وإيجاد قيادة بديلة.

 

طالبت واشنطن فقط النظام المصرى بكل شىء، إلا ما طالب به جموع المصريين، وهو «إسقاط النظام». وعندما اختار الرئيس مبارك اللواء عمر سليمان نائبا له، رحبت واشنطن وبدأت اتصالات مكثفة بين نائب الرئيس الأمريكى جو بيدن ونظيره المصرى للبحث فى «الانتقال المنضبط للسلطة». وسعدت واشنطن لهذا المخرج الذى لم يكن ليغير فى علاقاتها بالحليف الاستراتيجى المصرى شيئا.

 

وبعد تنحى مبارك أصبح الكونجرس أكثر الجهات عداء للإخوان داخل واشنطن حتى قبل وصول الرئيس مرسى للحكم. وعبر بعض أعضائه مرارا عن القلق من فكر جماعة الإخوان المسلمين، فقد ذكر السيناتور مارك كيرك فى أكثر من مناسبة ضرورة أن تقوم «الولايات المتحدة بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين الراديكالية من الوصول لحكم مصر». ومنذ أسبوعين طالب عضو مجلس الشيوخ الأمريكى جيمس إنهوف بضرورة إيجاد نظام صديق للولايات المتحدة فى مصر بدلا من نظام الرئيس محمد مرسى المعادى.

 

●●●

 

واقعية واشنطن وسعيها لتحقيق مصالحها يجعلها تحتفظ بعلاقات قوية مع من يحكم مصر، فهى تعاملت مع مبارك الديكتاتور ومع المجلس العسكرى ومع الرئيس مرسى الإخوانى بطرق لم تتغير فى جوهرها.

 

نعم جرت عدة اتصالات تليفونية بين الرئيس أوباما والدكتور محمد مرسى، ليس بصفته عضوا فى مجلس إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، بل كرئيس دولة مهمة، كذلك قابل أوباما فى ديسمبر الماضى الدكتور عصام الحداد داخل البيت الأبيض، أيضا ليس بصفته الإخوانية، بل كمساعد للرئيس المصرى للشئون الدولية.

 

لا تضع واشنطن تصرفات حكام مصر فى سلة واحدة. تمتدح واشنطن رئيس مصر عندما يقوم بجهود تثنى هى عليها كما حدث أثناء عدوان غزة الأخير، وتنتقد نفس الرئيس عندما يعارض التدخل الغربى فى دولة مالى، أو يذكر قضية الشيخ عمر عبدالرحمن. إلا أن الأكيد أن هناك قلقا أمريكيا وارتباكا حقيقيا فى واشنطن فيما يتعلق بصعود ونجاح القوى الإسلامية فى أى انتخابات تشهدها المنطقة.

 

واشنطن لا تشخصن سياساتها أو أهدافها. وهى لم ولن تتدخل فى اختيار رئيس مصر، وهى لم تساعد أو تشارك فى ترجيح كفة اسم مرشح أو فريق على آخر، ولا تستطيع ذلك إن أرادت! لقد نجحت ثورة مصر فى فرض معادلة جديدة أصبحت فيها جموع الشعب المصرى أهم لاعب فى الحياة السياسية الجديدة خلال هذه المرحلة التاريخية. فيا شعب مصر لا تستخف بقوتك حتى وإن استخفت بك نخبك السياسية المختلفة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved