حصار القاهرة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 22 فبراير 2019 - 11:45 م بتوقيت القاهرة

الأربعاء الماضى كان يوما صعبا للغاية، تعرضت فيه القاهرة لحصار إعلامى شبه تام.. تلعثم خطابها.. ارتبك اداؤها.. بدت عاجزة عن صد الهجمات العنيفة التى طالت جميع مؤسساتها وشككت فى نزاهتها واستقلاليتها.. أصبحت مكشوفة بلا جدران حماية، أمام قناة الجزيزة القطرية وشقيقاتها من فضائيات الإخوان التى تبث من تركيا، على خلفية إعدام الخلية المدانة باغتيال النائب العام السابق هشام بركات.
24 ساعة كان صوت الإعلام المصرى فيها «مبحوحا» لا يكاد يسمعه أحد.. لم يعرف كيف يواجه هذا «الغزو الواسع» الذى نفذته تلك القنوات بـ«اتقان بالغ».. ربما لم يستعد جيدا لهذه المواجهة المتوقعة، رغم أن لو أحدا من رجاله نظر بشكل سريع على مواقع التواصل الاجتماعى عشية تنفيذ الحكم، لشعر بـ«التمهيد النيرانى» لـ«المعركة الشرسة» التى ستندلع فى الساعات المقبلة.
لماذا سقط الإعلام المصرى فى هذا الاختبار؟. دائما ما يتكرر هذا السؤال فى كل واقعة كبيرة تحدث فى البلاد، يصاحبها قصور واضح، بل فقر وعجز إعلامى فى الدفاع عن مواقف الدولة المصرية وتوضيح الحقائق جميعا للرأى العام المصرى، حتى لا يقع فريسة للقنوات الإخوانية، التى تحاول توصيل الرسائل التى تخدم أهداف جماعة الإخوان فقط، وهى بالتأكيد أهداف ليست بريئة، وإنما تستهدف فى الأساس تصفية حسابتها القديمة مع الشعب والحكومة ومؤسسات الدولة المصرية.
هذا ما لمسناه على مدى الأعوام الماضية، خصوصا بعد الثالث من يونيو 2013، حيث امتلك الإعلام الإخوانى زمام المبادرة فى الكثير من الأحداث الكبيرة التى مرت بها البلاد، وكان له الكلمة العليا فيها إلى درجة توجيه دفتها، بينما اكتفى إعلامنا فقط برد الفعل، وللأسف جاء فى أغلب الأحيان متأخرا للغاية ومنزوع الدسم وبلا تأثير يذكر.
هل سقط إعلامنا فى قضية إعدام الخلية المدانة باغتيال هشام بركات بسبب «بوست» كاذب تم ترديده على نطاق واسع عشية تنفيذ الحكم لنجلة المستشار الراحل تبرئ فيه المدانين بقتل والدها؟ ربما قد أثار هذا «البوست» لغطا لدى البعض، لكن هل مؤسساتنا الإعلامية ومعها المسئولون فى الدولة، كانوا عاجزين عن الوصول لابنة المستشار الراحل لمعرفة الحقيقة قبل أن تصبح الأكذوبة كرة ثلج تكبر كل لحظة لتتحول فى نظر الكثيرين إلى حقيقة دامغة لا تقبل الشك.
هل سقط إعلامنا فى هذه المواجهة لأن قناة الجزيزة القطرية والقنوات الإخوانية أكثر مهنية؟ بالعكس تماما.. فالجزيرة والقنوات الإخوانية كانوا كعادتهم دائما، بعيدين كل البعد عن المهنية، لكنهم تعاملوا مع هذا الحدث باحترافية بالغة، واستعدوا له جيدا بالتقارير والمداخلات المنظمة والصور والموسيقى المؤثرة، التى تدغدغ المشاعر وتستقطب التعاطف مع المدانين قضائيا إلى درجة أن الكثير من المشاهدين، نسوا أن هناك جريمة كبيرة وقعت، وهى اغتيال نائب عام مصر، وتذكروا فقط الشبان التسعة الذين تم إعدامهم.
هل سقط إعلامنا «العام والخاص» لأنه يفتقر إلى الامكانات المادية والبشرية مثل الإعلام الإخوانى؟ غير صحيح على الإطلاق.. فالإعلام المصرى بشقيه العام والخاص، لديه من الامكانات البشرية والمادية الكثير، وربما فى أحيان كثيرة يفوق ما يمتلكه الإعلام المنافس.
اذن لماذا سقطنا فى ذلك الاختبار، وتركنا القاهرة وأهلها تحت الحصار الإعلامى الخارجى لمدة 24 ساعة؟. بالتأكيد سقطنا لأن الوجوه الإعلامية التى تطل يوميا على الشاشات، فقدت تأثيرها منذ زمن طويل، ولم يعد هناك ما يدفع المواطن المصرى إلى مشاهدتها ومتابعتها بعدما تماهت تماما مع مواقف الحكومة، ولم تحرص على وجود مسافة فاصلة بينها وبين المسئولين، تمنحها مصداقية عند المشاهدين الذين فقدوا الثقة فيها.
سقطنا فى الاختبار، لأن إعلامنا يتحرك بلا رأس.. يحارب طواحين الهوى.. يفتعل معارك جانبية بلا قيمة.. يشوه هذا ويفضح هذه ويهدد هؤلاء.. يركز جهوده على الداخل وكأننا نعيش فى جزيرة معزولة.. لم يضع الخارج فى حساباته، فكانت النتيجة ان الداخل نفر منه بشكل كبير لأنه لا يقول شيئا يحمل مضمونا مختلفا.. والخارج لم يعره أى اهتمام لأنه لم يشعر بوجوده من الأساس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved