ضحايا العنف الجنسى فى سوريا بين وصمة العار وغياب المساءلة

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الإثنين 22 فبراير 2021 - 6:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب وسام الدين العُكلة، تحدث فيه عن العنف الجنسى فى سوريا وأنه لا يلحق بالنساء فحسب بل يمتد إلى الذكور أيضا، ذكر الكاتب أيضا أن العنف الجنسى فى سوريا يتخذ مسارين أحدهما ممنهج يطبقه النظام السورى والجماعات المتشددة، أما الآخر فتلقائى مبنى على الموروثات والتقاليد... نعرض منه ما يلى.
يشمل العنف الجنسى طائفة واسعة من الأفعال التى تستهدف الإناث والذكور، غير أن النسبة الأكبر من ضحاياها هم من النساء والفتيات والأطفال. استخدم هذا النوع من العنف إمعانا فى إذلال وترويع كل من يعارض الحكومة السورية وبعض الجماعات المسلحة، الأمر الذى تسبب بنتائج كارثية خلَّفت آلاف الضحايا وسط تجاهل واضح من قبل الأطراف الفاعلة فى المجتمع الدولى، وفى ظل غياب أى بارقة أمل فى محاسبة المسئولين عن هذه الجرائم وإنصاف ضحاياها.
قبيل اندلاع الاحتجاجات الشعبية فى درعا بداية عام 2011 قام العميد عاطف نجيب بن خالة الرئيس السورى بشار الأسد ورئيس فرع الأمن السياسى بدرعا بإهانة مجموعة من شيوخ العشائر ووجهاء المدينة الذين حاولوا التوسط لإطلاق سراح عدد من الأطفال تم احتجازهم وتعذيبهم بسبب كتابتهم عبارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم، تسببت هذه الإهانة المتعمدة التى استهدفت شخصيات لها احترام ودور مهم فى محيطها الاجتماعى باحتجاجات شعبية فى درعا لتصبح فيما بعد ثورة عارمة ضد نظام الأسد فى جميع أنحاء سوريا.
مع توسع الاحتجاجات استخدم النظام العنف بشكل مفرط ضد المتظاهرين، حيث أمعنت قواته فى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان على الحواجز وخلال مداهمة المنازل للبحث عن المطلوبين، واعتقال النساء وخطف الفتيات لإجبار أزواجهن أو أقاربهن على تسليم أنفسهم، وغالبا ما كُنَّ يتعرضن لاعتداءات جنسية بهدف ترويع الحاضنة الشعبية للمنخرطين فى الاحتجاجات الشعبية، غير أن هذه الانتهاكات تحولت لاحقا إلى سياسة ممنهجة فى مجتمع تحكمه أعراف وتقاليد متجذرة تربط هذه الجرائم بوصمة العار الاجتماعية التى قد تستمر لسنوات طوال.
وقد أشار تقرير «فقدت كرامتى» الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا فى عام 2018 إلى أن القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها ارتكبت جرائم اغتصاب وانتهاكات جنسية ضد النساء والفتيات والرجال أحيانا أثناء العمليات البرية، ومداهمة المنازل لإلقاء القبض على المحتجين ومن يعتقد أنهم من داعمى المعارضة، وفى نقاط التفتيش والاحتجاز تخضع النساء والفتيات للتفتيش المهين والاغتصاب، وأحيانا للاغتصاب الجماعى، فى حين يكون اغتصاب المحتجزين الذكور فى أعم الحالات باستخدام بعض الأجسام ويخضعون أحيانا لتشويه الأعضاء التناسلية. وقد وُثِّقَ اغتصاب النساء والفتيات فى 20 فرعا من فروع المخابرات السورية، واغتصاب الرجال والفتيان فى 15 فرعا. ويستخدم العنف الجنسى ضد الإناث والذكور لإرغامهم على الاعتراف ولانتزاع معلومات وكوسيلة للعقاب، والإذلال وبث الرعب فى مجتمعات المعارضة.
لا يحتكر النظام السورى وحده هذا العنف، بل تمارسه أيضا بعض المجموعات المتشددة التى ارتكبت جرائم تندرج ضمن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعى. وأشارت عدة تقارير دولية، منها تقرير «فقدت كرامتى» إلى أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) تسببت بأذى نفسى وبدنى شديد للنساء والفتيات والرجال، بسبب فرضها القواعد الدينية للملبس، وحرمان النساء والفتيات من حريتهن فى التنقل بدون أحد الأقرباء الذكور، كما أظهرت بعض الفتاوى الصادرة عن الهيئة معاملة تمييزية ضد النساء فى المناطق التى تقع تحت سيطرتها.
كما مارس تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام فى ذروة قوته التمييز ضد النساء والفتيات والأقليات كسياسة عامة. وتكرر رجم النساء والفتيات بتهمة الزنا وقتل بعض رجال الدين خاصة من أتباع الطريقة الصوفية ونبش قبورهم، ومحاكمة أشخاص أمام محاكم لا تتوافر فيها الضمانات القانونية، وإعدام المثليين والأشخاص الذين لديهم ميول جنسية فى المناطق الواقعة تحت سيطرته، إضافة إلى الزواج القسرى للنساء والفتيات بمقاتلى التنظيم وفرض قيود على حريتهن وإبعادهن عن الحياة العامة.
بدورها ساهمت الحرب فى تفاقم ظاهرة التزويج المبكر للفتيات، حيث تلجأ الكثير من الأسر السورية لتزويج بناتها قبل بلوغهن السن القانونية بسبب الصعوبات المعيشية والخوف والتهديدات الأمنية التى تواجههنَّ. وأعلنت المسئولة عن برنامج مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعى فى صندوق الأمم المتحدة للسكان عن ارتفاع نسبة الزواج المبكر فى سورية من 13 إلى 46 بالمائة خلال فترة الحرب وتظهر هذه النسبة حجم المشكلة الحقيقية التى سترخى بنتائجها على المجتمع مستقبلا.

الاضطرابات الأمنية ترفع معدلات العنف المنزلى
لم يتوقف الأمر على الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز والمخيمات بل تعداه إلى المنازل حيث تنتشر ظاهرة العنف المنزلى والتفكك الأسرى بشكل واسع نتيجة للاضطرابات الأمنية وصعوبة المعيشة والقلق النفسى واضطراب ما بعد الصدمة الذى تركته الحرب خاصة لدى الأطفال والنساء اللاتى فقدن أزواجهن، وارتفاع حالات الطلاق إلى أكثر من 31% بسبب غياب الأزواج نتيجة الاعتقال أو التصفية الجسدية، إضافة إلى العنف الاقتصادى والحرمان من الميراث والمهور والفرص فى التوظيف، لا سيما تجاه النساء المطلقات والأرامل وإجبارهن على العمل بأجور متدنية مع استمرار تعرضهن بشكل متزايد للتحرش الجنسى. كما أثر الإغلاق التام بسبب فيروس كورونا حالات العنف القائم على النوع الاجتماعى، وترافق ذلك مع صعوبة تمكن الناجيات من الإبلاغ عن الانتهاكات وطلب المساعدة.
بعض الجرائم التى تندرج ضمن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعى خلال النزاعات تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولى، مثل جريمة الاغتصاب، وانتهاك الكرامة والمعاملة المهينة للإنسان. وقد تصدت العديد من الاتفاقيات الدولية لهذه الجرائم مثل مدونة «ليبر» الشهيرة لعام 1863، واتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاها الإضافيان، واتفاقية «سيداو»، ونظام روما الأساسى، ومعاهدة تجارة الأسلحة لعام 2014 التى نصت بشكل واضح على ضرورة مراعاة الدول المصدرة للأسلحة خطر استخدامها لارتكاب أعمال عنف لاعتبارات جنسانية أو أعمال خطيرة ضد النساء والأطفال. ومع ذلك ما تزال هذه الاتفاقيات تواجه الكثير من الانتقادات لعدم تعاملها بقوة كافية مع هذ النوع من الجرائم.
تواصل ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعى التفشى فى سوريا فى مسارين متوازيين، الأول: ممنهج حيث يتم اللجوء إلى هذا العنف من قبل أطراف النزاع وسلطات أمر الواقع كل فى منطقة سيطرته بهدف الترويع والإذلال ومعاقبة معارضيه. أما المسار الثانى: فهو تلقائى متراكم نتيجة طول الأزمة والعادات والهياكل والموروثات عميقة الجذور التى يقوم عليها المجتمع السورى والتى تعمل على تطبيع هذا العنف.
يرغب المجتمع الدولى عموما بإنهاء المأساة السورية لكن الخلافات والتجاذبات السياسية تعوق أى حل سياسى. مع ذلك لا يمكن الانتظار حتى التوصل إلى تسوية دائمة قد تطول لسنوات. لذا لا بد من خارطة طريق لحشد جهود الأطراف الفاعلة الدولية والإقليمية والمحلية للتصدى لظاهرة العنف فى سوريا والحد منها والتقليل من تداعياتها، وأن يُدرج هذا الموضوع على أجندة جهود تنسيق الإغاثة الإنسانية والاستجابة على جميع المستويات.
معالجة المعوقات وتحسين آليات الوصول لضحايا العنف الجنسى ينبغى أن تشمل جميع مناطق سوريا والمخيمات فى دول الجوار أيضا، وتشجيع الضحايا على الإبلاغ وتقديم بيانات عن المسئولين عنه، وعقد شراكات مع المنظمات والمجالس المحلية لتنظيم دورات تعليمية وحملات توعية بمخاطره وسلبياته وتداعياته المستقبلية، ودمج استراتيجيات التعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعى ضمن سياسات وخطط التنمية الوطنية والمحلية، واعتماد القوانين والسياسات التى تعزز حقوق النساء والفتيات وإشراكهن فى مفاوضات السلام وفى جميع مراحل وجوانب العملية الانتقالية. إضافة إلى تعزيز ثقافة السلم الاجتماعى واحترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة وإشراكها فى الحياة العامة. لكن لتتحقق هذه الخطوات لابد من اتفاق من قبل الأطراف السورية والإقليمية الفاعلة على التصدى لهذه الظاهرة ومحاسبة المسئولين عنها، وعدم الانتظار حتى التوصل إلى تسويات سياسية.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved