ثلاثة دروس من الفشل الفرنسي في مالي

قضايا إفريقية
قضايا إفريقية

آخر تحديث: الثلاثاء 22 فبراير 2022 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة إيجمونت مقالا بتاريخ 18 فبراير لنينا ويلن، ترى فيه أن إعلان الرئيس الفرنسى الانسحاب من مالى يمثل لحظة ينبغى اغتنامها لتقييم ما حدث والتعلم من أخطاء الماضى، وفى ذلك تناولت ثلاثة دروس من الممكن استخلاصها من الفشل الفرنسى فى مالى ومنطقة الساحل الأفريقية.. نعرض منه ما يلى. 

عندما يتداعى كل شيء، عادة ما نأخذ خطوة إلى الوراء لتقييم ما حدث والتعلم من أخطاء الماضى، أو، كما هو الحال مع فرنسا فى منطقة الساحل، تتراجع خطوة إلى الوراء ثم تنتقل جنوبًا إلى دول شريكة جديدة تكون على استعداد لاستضافة قواتك.

فى حين أن إعلان الرئيس الفرنسى سحب عملية برخان من مالى يبدو مبسطا واستفزازيا، إلا أنه شكل فرصة لتعلم بعض الدروس المستفادة. يبدو أن الأزمة فى مالى تعطى ثلاثة دروس: أولا أهمية وجود استراتيجية يمكن تحقيقها على أرض الواقع وأهداف محددة، ثانيا العرض الواضح للاستراتيجية مهم للحصول على الدعم الضرورى فى الداخل والخارج، ثالثا إذا قررت الانخراط أو التعاون مع القادة الذين وصلوا إلى السلطة عن طريق تعديل أو تجاهل القوانين، فمن المحتمل أنهم لن يحترموا استراتيجيتك. 

لم يكن إعلان الرئيس الفرنسى، صباح الخميس الماضى، عن انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من مالى مفاجئا للمراقبين فى الأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين. تدهورت العلاقات تدريجيًا بين البلدين على مدى السنوات القليلة الماضية، حتى قبل وقت طويل من الانقلابين العسكريين الأخيرين، ومع ذلك زادت سرعة تدهور العلاقات بشكل كبير خلال الأسابيع الأربعة الماضية. أدى استعراض القوة الذى قامت به السلطات الانتقالية فى مالى من منع الوحدات الدنماركية علنا من الاندماج فى قوات تاكوبا الأوروبية إلى حرب كلامية غير دبلوماسية، واتخذت التوترات منعطفا خطرا عندما طرد السفير الفرنسى من مالى. بينما كانت الحرب الكلامية والدبلوماسية مشتعلة بين مالى وفرنسا، شهدت المنطقة انقلابًا عسكريًا آخر ــ هذه المرة فى بوركينا فاسو ــ الدولة التى عانت 7 انقلابات و4 محاولات انقلاب منذ الاستقلال، وهو ما يؤكد التذبذب الشديد فى التوازن المدنى العسكرى فى المنطقة وحقيقة أن تحقيق الاستقرار بعيد المنال.

من الواضح أن فرنسا ليست الفاعل الوحيد المسئول عن الوضع المضطرب الحالى، ومع ذلك فهى الفاعل الخارجى الوحيد الذى كان مستعدا وقادرا على لعب دور بارز فى مالى وفى منطقة الساحل عمومًا. لهذا، تلقت فرنسا انتقادات كثيرة من اتجاهات مختلفة، بعضها فى محله، والبعض الآخر فلا، لكن من الواضح أن هناك دروسًا يمكن أن تتعلمها فرنسا وكذلك الفواعل الخارجية الأخرى الموجودة فى المنطقة. 

• • •

أولا، بينما تبنت فرنسا، نظريًا، نهجا شاملا للأزمة الأمنية فى مالى يهتم بجوانب التنمية والدبلوماسية والدفاع، إلا أن الدفاع، المتجسد فى عملية برخان، هو الذى تم تقديمه على الجوانب الأخرى. هدفت عملية برخان إلى محاربة الجماعات الإرهابية وزيادة قدرات قوات الأمن المحلية حتى تصبح قادرة على التعامل مع التحديات الأمنية وحدها. فى حين أن الهدف واضح إلا أن طريقة تحقيق الاستراتيجية لم تكن كذلك. أظهر التاريخ أن قتال الجماعات الإرهابية المسلحة يعنى قتالا بدون عدو واضح، وبالتالى بدون نهاية واضحة. وبالتالى هذا القتال يحتاج إلى مصادر كبيرة، مالية ومادية، وتفويض سياسى من السلطات المحلية، واستعداد القوات المسلحة للقتال. فى حين أن بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبى فى مالى قدمت التدريب والموارد، إلا أن الجانبين الآخرين تعثر تحقيقهما لأسباب مختلفة، تتعلق بضعف الاستثمارات فى التنمية والدبلوماسية من الجهات الداخلية والخارجية. وفى حين رأى الفرنسيون أن عملية برخان جزء أساسى وليس كافيا من الاستراتيجية، إلا أن هذا لم يكن تصور الجهات الفاعلة المحلية، والذى يمكن إرجاعه إلى فشل فى عملية التواصل. 

ثانيا، يعود الفشل فى التواصل بين الفرنسيين والماليين إلى مزيج من العوامل المختلفة. الأول هيكلى يرجع إلى الماضى الاستعمارى، وبالتالى العلاقة الهشة بين الطرفين. فالماضى مازال مؤثرا بغض النظر عما إذا كانت فرنسا لديها طموحات استعمارية جديدة أم لا. هذا الماضى يمكن استخدامه على الفور سواء من قبل القادة الوطنيين ذات الميول الشعبية أو من قبل الجهات الخارجية التى تريد تشويه سمعة فرنسا. العامل الثانى يتعلق بالممثلين وخاصة الممثلين السياسيين الفرنسيين المتعجرفين غير القادرين على الاستماع. فى حين أن المحتوى الفعلى لتصريحاتهم قد لا يكون مثيرًا للجدل فى حد ذاته، إلا أن توقيت تصريحاتهم والطريقة التى تقال بها لا يرتقون إلى المستوى الدبلوماسى. أخيرًا، لعبت محاولات التضليل التى تبذلها الجهات الخارجية دورًا فى تدهور الاتصالات بين فرنسا ومالي؛ فنشر الرواية الروسية من خلال المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى والأفلام واللعب على المشاعر المناهضة للاستعمار واستهداف الوجود الفرنسى فى المنطقة بشكل غير مباشر مثال على ذلك. 

ثالثًا، الدول الغربية الفاعلة التى تنخرط عسكريًا فى منطقة الساحل لأسباب مختلفة، سواء كان ذلك لمحاربة الإرهاب أو الحد من الهجرة، أو تعزيز العمل متعدد الأطراف أو/ ومواجهة النفوذ غير الغربى، يخاطرون بالعمل مع أو من خلال سلطات انتقالية وصلت إلى السلطة بطريقة غير دستورية مثل الانقلابات العسكرية. عندما يحدث الانقلاب أمام الشركاء الدوليين ــ كما هو الحال فى مالي ــ يظهر التحدى فى كيفية التعامل مع الأمر، هل يحافظ الشركاء على الوضع الراهن ويستمرون فى العمل مع المجلس العسكرى، أم يتخذون قرارًا بالمغادرة والانتظار حتى تتولى حكومة منتخبة السلطة؟ أم يسلكون الطريق الوسط من حيث وقف التعاون لفترة محدودة ثم استئناف العلاقات كالمعتاد؟ اختارت معظم الجهات الخارجية فى مالى الخيار الثانى، بينما اختارت بعد الانقلاب غير الدستورى فى تشاد العمل مع السلطات المحلية الجديدة. اختارت فرنسا فى بوركينا فاسو زيادة التعاون العسكرى مع السلطات الانتقالية بدلا من فرض العقوبات. 

ردود الفعل المختلفة على الانقلابات من قبل الجهات الخارجية، الثنائية ومتعددة الأطراف، لا ينبغى أن تكون مفاجأة للمراقبين الذين تابعوا بناء وتفكيك العلاقات المختلفة، على الرغم من أن هذا يثير التساؤلات حول المعايير المزدوجة. ومع ذلك، مثلما لا تفاجئنا الردود غير المتسقة على الانقلابات، لا ينبغى أن تفاجئنا الثورات الشعبوية أو الانقلابات العسكرية. 

• • •

تظل هناك العديد من الأسئلة غير المجاب عنها مع الانسحاب الفرنسى من مالى. لا يزال مستقبل العمليات متعددة الأطراف للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى فى مالى غير واضح، ليس فقط بسبب الدعم الذى تقدمه فرنسا للبعثات عبر عملية برخام، ولكن أيضا بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الدول الأوروبية الأخرى ستحافظ على مساهماتها فى السياق الحالى. نجح وجود فاجنر فى مالى فى إثارة المحادثات حول تجاوز الخطوط الحمراء وزيادة رغبة الدول الغربية فى البقاء خوفا من فقدان النفوذ. يركز البيان الصحفى المشترك الذى أعلن أن القوات الفرنسية والأوروبية ستظل موجودة فى المنطقة وتتعاون مع الدول الشريكة الأخرى على النيجر؛ الدولة التى تستضيف بالفعل أعدادًا كبيرة من القوات الأجنبية. يبدو أن الرئيس النيجيرى وافق على استضافة قوات تاكوبا الأوروبية، فى مناخ من المشاعر المعادية لفرنسا، وقد يكون هذا تحركًا يزيد من الاستقرار فى المنطقة.. إذا أردنا تعلم أى درس من الانهيار الحالى فى العلاقات بين فرنسا ومالى، فهو الحاجة إلى مراعاة الجهات الفاعلة المحلية، والتصورات والوقائع، وهو درس لا يبدو أنه قد تم تعلمه حتى الآن. 

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved