خبرة ليست للتصدير

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 22 مارس 2009 - 6:05 م بتوقيت القاهرة

 هل صحيح أن الخبرة المصرية فى التعليم قابلة للتصدير إلى الخارج؟ هذا السؤال خطر لى حين قرأت فى ذلك الصباح خبرا عن اجتماع وزير التعليم المصرى الدكتور يسرى الجمل، مع نظيره الأفغانى فاروق وارداك. حيث بحثا أوجه التعاون المشترك، وتبادل الخبرات فى مجال التعليم، وطبقا للكلام المنشور فإن الدكتور الجمل عرض على ضيفه الأفغانى التجربة المصرية الموضوعة لتخريج طلاب مزودين بالمهارات الحياتية. ويبدو أن الوزير نجح فى إبهار الضيف حتى خرج الرجل من الاجتماع لكى يقول للصحفيين إن التجربة المصرية «تعد نموذجا رائعا يمكن الاستفادة منه». (أهرام الجمعة 20/3 الحالى)، الأمر الذى أثار فضولى، لأننى لم أتصور أن الخبرة المصرية فى مجال التعليم بالذات يمكن أن تنفع أى بلد آخر، وآخر ما خطر لى على بال أن يقول قائل إنها تعد نموذجا رائعا يمكن الإفادة منه.
ما أزعجنى فى الموضوع ليس أن يقول الوزير الأفغانى هذا الكلام، ولكن أن يصدقه ويأخذه على محمل الجد، بحيث يبدأ فى اقتباس الخبرة المصرية فى مجال التعليم. حتى تمنيت أن يكون الكلام الذى صدر عنه من قبيل المجاملات المجانية، التى يمتدح بمقتضاها الضيف مضيفيه بكلام يريحهم ويرد لهم مقابل استضافته خلال الزيارة، مثلما يحدث مع زوار آخرين كثيرين.

كما أننى خشيت أن نصدق بدورنا الكلام، بحيث نعتبره شهادة نرد بها على تحفظات الناقدين.

ذلك أنك لو سألت أى مواطن مصرى عادى عن خبرته مع التعليم الحكومى. فإنك ستفتح على نفسك بابا للشكوى المرة يتعذر إغلاقه. إذ الانطباع العام أن المدارس الحكومية فى مصر لم تعد تعلم أحدا، وأن التعليم الحقيقى إما أن يتم فى المدارس الخاصة أو من خلال الدروس الخصوصية، حتى إن بعض المعلمين أصبحوا يستأجرون شققا وطوابق فى بعض البنايات لإعطاء الدروس للطلاب خارج المدرسة. وبات معروفا أن التلاميذ ينقطعون عن الذهاب إلى مدارسهم الحكومية فى النصف الثانى من العام الدراسى، لكى يتفرغوا للمذاكرة، بعدما اقتنعوا بأن ذهابهم إلى المدارس بمثابة مضيعة للوقت، خصوصا فى سنوات الشهادات التى تتطلب مجاميع عالية. لا تسأل عن أحوال المبانى المدرسية ولا عن أحوال المدرسين البائسة، لكنك لن تستطيع أن تنكر أن تسريب الامتحانات والغش أثناءها والعبث بالنتائج النهائية، أصبح من سمات الخبرة المصرية التى ينبغى أن نسترها لا أن نصدرها.

ليست هذه هى كل الصورة بطبيعة الحال، ولكنها بعض ملامحها الكارثية. وهى التى لا ينفرد بها التعليم، لكنها شملت قطاع الخدمات خصوصا الصحية منها. ذلك أن الدولة المصرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة لم تتخل عن مشروعها السياسى فقط، وإنما تخلت أيضا وبصورة تدريجية عن مسئولياتها تجاه المجتمع. بالتالى، فكما أن دورها تراجع فى العالم العربى، فإن ذلك التراجع تحقق بذات القدر على الصعيد الداخلى، فانهارت الخدمات تباعا، وكان أهم تقدم حدث خلال تلك المرحلة من نصيب الأجهزة الأمنية التى تعززت قدراتها بقدر تعاظم دورها فى المجتمع.

لا أستبعد أن يكون الوزير الأفغانى قد رتبت له زيارات لبعض المدارس المعدة لاستقبال الضيوف، التى يستعار لها تلاميذ ومدرسون مستحمون ومهندمون من جهات أخرى (كما حدث أثناء زيارة قرينة الرئيس الأمريكى السابق لمدينة الإسكندرية قبل عامين). ولذلك أقلقنى ما ورد فى الخبر المنشور من أن بعض رجال التعليم فى أفغانستان سيدعون إلى مصر للتعرف على التجربة التعليمية على الطبيعة، لأن ذلك لو حدث فربما أفسد الفيلم كله. لأنهم سوف يكتشفون أن الوضع فى مصر يختلف عنه فى أفغانستان فى الدرجة فقط وليس فى النوع. وسأكون مسرورا لا ريب إذا علمت أن الأمر كله مجرد «كلام جرايد»، وأنه لا الوزير الأفغانى قال ما نسب إليه، ولا زيارة رجال التعليم الأفغان لها أصل من الحقيقة، وأن الخبر ليس أكثر من موضوع للإنشاء دبجه موظف فى العلاقات العامة يريد أن يستجلب رضى الوزير وليس لتخطى دوره فى الترقية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved