قرض الصندوق وشروط الكونجرس

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 22 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

للوهلة الأولى لا يبدو أن هناك علاقة بين قرض صندوق النقد الدولى من ناحية، وبين المساعدات الأمريكية العسكرية وغير العسكرية المقدمة لمصر سنويا من ناحية أخرى. إلا أن تزامن حدثين مهمين خلال الأسبوع المنتهى سهل الربط بين قرض الصندوق وشروط الكونجرس، خاصة مع وضعهما جنبا إلى جنب فى صورة أكبر لهيكل العلاقات الخاصة بين مصر والولايات المتحدة التى لم تتغير منذ بدء ثورة 25 يناير وحتى الآن.

 

•••

 

الحدث الأول جرى فى واشنطن، إذ تبارى أعضاء مجلس الشيوخ فى وضع شروط على المساعدات المقدمة لمصر فى الميزانية الفيدرالية، وقدم أربعة من أعضاء المجلس الجمهوريين، وعضو من الحزب الديمقراطى خمسة تعديلات مقترحة على شروط تقديم هذه المساعدات. وإلى هنا لا يوجد شيء جديد، إلا أن الجديد والمثير للاستغراب وجود بند واضح قدمه السيناتور الديمقراطى باترك ليهى، ويتعلق بتأكد وزير الخارجية الأمريكى من «تطبيق مصر اتفاقا مع صندوق النقد الدولى لدعم الاصلاحات الاقتصادية الضرورية». كما تم وضع شرط آخر قدمه السيناتور الجمهورى ماركو روبى نصه «توقع الحكومة المصرية اتفاقا مع صندوق النقد الدولى توافق فيه على خطوات من شأنها خفض الدعم المقدم للطاقة، تحسين أساليب الإدارة المالية الحكومية، واتباع سياسات ترفع من قيمة العوائد الحكومية من الضرائب».

 

ويظهر الشرطان هدف الكونجرس فى دفع مصر عن طريق مشروطية المساعدات العسكرية، للقبول بقرض الصندوق.

 

نعرف أن الكونجرس هو الجهة الأمريكية الأكثر جهلا بطبيعة وبحقيقة الأوضاع المصرية، إذ يضم بعض النواب ممن ليس لهم أى معرفة بالعالم الخارجى، وبعضهم لم يسبق لهم السفر للخارج قبل انضمامهم للكونجرس، كما أنه يعد الجهة الأكثر تمثيلا وانصياعا لمصالح جهات اللوبى الأمريكية القوية والأكثر نفوذا، والذى يأتى على رأسها اللوبى المؤيد لإسرائيل عندما يتعلق الأمر بقضايا الشرق الأوسط. لذا يثير الكثير من الاستغراب تأكيده على ضرورة إتمام الحكومة المصرية اتفاقا مع صندوق النقد الدولى.

 

تاريخيا لم يترك الكونجرس فرصة أثناء حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، أو بعد سقوطه، إلا وطالب بضرورة اتباع مصر سلوكا معينا وإلا يوقف المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. وخلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، طالب أعضاء بالكونجرس بضرورة وقف المساعدات على أثر تفجر قضية المنظمات الأمريكية العاملة فى بدايات العام الماضى والتى وصلت لدرجة محاكمة بعض العاملين فيها. ثم وصلت شروط الكونجرس إلى المطالبة بشرط العلانية والرقابة المدنية على ميزانيتى الشرطة والجيش المصريين كشرط لتلقى مساعدات عام 2013. إلا أن ورغم ذلك كله لم تتوقف المساعدات العسكرية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار سنويا، وفهل سيكون هذا هو الحال هذا العام أيضا.. سنرى.

 

•••

 

وكانت القاهرة مقر الحدث الثانى والذى تمثل فى زيارة وفد صندوق النقد الدولى لبحث طلب الحكومة المصرية الحصول على القرض البالغ قيمته 4.8 مليار دولار، وبحث التفاصيل المتعلقة به. وقابل السيد مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزى ووزير المالية ووزير التخطيط والتعاون الدولى، وعدد آخر من المسئولين، وخرج بعد هذه المقابلات ليؤكد «ترحيبه بتصميم السلطات المصرية على إحراز تقدم فى برامج الإصلاح الاقتصادى التى تسعى لمواجهة التحديات بطرق تحقق توازنا اجتماعيا».

 

ولا يفهم من كلمات مسعود إلا وصول المفاوضات لطريق مسدود. مصر لن تقبل شروط الصندوق إذ إنها تعنى سياسات تقشفية كبيرة وهذا سيكون له تكلفة سياسية مرتفعة على حكومة الرئيس محمد مرسى. سياسات الصندوق وإجماع واشنطن ترفضان الاعتراف بمبدأ «العدالة الاجتماعية»، وما يتبعه ذلك من ضرورة تطبيق سياسات اقتصادية مختلفة تهتم أولا بالمواطنين الفقراء، ولا تمس الدعم المقدم إليهم، وهذا خط أحمر لن يستطيع رجال السياسة القبول به.

 

•••

 

فى عالم اليوم لا يقتصر الاستثمار فقط على قطاع المال والأعمال بهدف تحقيق أكبر هامش ربح، بل يتسع مفهوم الاستثمار ليدخل عالم السياسة بقوة من خلال محاولات بناء وتقوية بعض النخب ومراكز القوة الجديدة. وتجىء محاولة الكونجرس الأمريكى بالضغط على الحكومة المصرية لتقبل توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولى لكى تحصل على القرض فى إطار سعى واشنطن للسيطرة على النخبة المصرية الجديدة. ويرتبط بهذا الموضوع اهتمام غير مسبوق من مختلف الدوائر الأمريكية للاستثمار السياسى داخل مصر من جديد بما يضمن لها استمرار خدمة مصالحها الإستراتيجية الثابتة داخل مصر وفى محيطها العربى.

 

وتهدف واشنطن من وراء جهودها الاستثمارية السياسية الجديدة إلى خلق دوائر مصرية منتفعة من بقاء وتجديد «العلاقات الخاصة بين القاهرة وواشنطن»، والتى لا تمر إلا من بوابة اقتصادية أكبر تتعلق بتفاهمات مع صندوق النقد والبنك الدولى.

 

تدرك واشنطن أن الاقتصاد المصرى يمر بأزمات خانقة أدت إلى حدوث نقص كبير فى مصادر الطاقة التى يستعملها المصريون يوميا، مع وجود دعم غير مستقر للغذاء والوقود، وخلل هيكلى كبير فى الموازنة العامة. من هنا لم يكن بمستغرب أن تشترط إدارة الرئيس باراك أوباما على الحكومة المصرية تلقيها قرض صندوق النقد قبل منح مصر أى مساعدات إضافية من تلك التى أعلن عنها الرئيس أوباما لدعم دول الربيع العربى والتى تقدر فى مرحلتها الأولى بمليار دولار. وذلك لضمان ربط مصر الجديدة بمنظومة الليبرالية الاقتصادية التى تحدد هى إطارها الواسع.

 

ورغم التخبط الأمريكى فى التعامل مع نتائج الثورة المصرية خاصة فيما يوثر على مستقبل العلاقات بين القاهرة واشنطن. يبدو أن اختيار واشنطن السعى لاستثمار سياسى جديد يضمن لها استمرار خدمة مصالحها الاستراتيجية من خلال ربط النخب السياسية المصرية الجديدة المنتخبة بمراكز القوة التقليدية فى عالم المال والأعمال، فهل ترضخ النخبة المصرية الجديدة؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved