كان يا ما كان.. كان فى إنسان

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الإثنين 23 مارس 2015 - 10:09 ص بتوقيت القاهرة

الإعلانات الضخمة التى تطالعنا من وقت لآخر حول قدوم أحد نجوم الغناء القدامى من أنحاء العالم لإحياء حفل فى مصر بعد أن كنا نتساءل إن كان لا يزال على قيد الحياة، أو أخبار نجمة بوب عالمية مثل مادونا التى تصر على أن تظل رمزا للإثارة بعد أن تجاوز عمرها 56 سنة فتحاول إظهار مفاتنها وتقع على المسرح ويصرح أولادها بأنهم يخجلون منها.

أو جملة تأتى على لسان ابنة بطل فيلم «بيردمان» (الرجل الطائر) الحائز على أوسكار أحسن فيلم وأحسن إخراج، حين تقول لوالدها الممثل الذى كانت له نجاحات سابقة لتجسيده دور «الرجل الطائر» فى سلسلة من الأفلام: «أنت لم تعد مهما، حاول أن تفهم».. كل ذلك يدور حول المعانى نفسها: شهرة تتوارى، أهمية تتضاءل، سنوات عمر تتسرب من أصحابها، وأشخاص يتعاملون مع الواقع الجديد على مضض، وشعور بالحنين.

تحاول شركات الإنتاج والتوزيع استثمار حالة النوستالجيا تلك أو الحنين للماضى منذ العام 2000، من خلال تقديم أغنيات الذكريات أو تسليط الضوء على بعض الفنانين الذين لمع نجمهم ذات يوم فينظمون فاعليات مختلفة يجنون منها الوفير من المال، لكن هذا لا يمنع أعراض انسحاب أدرنالين السلطة والشهرة لدى من لا يحسنون التعامل مع فكرة تقدم السن والمراحل المختلفة التى يمر بها البشر.

والأمر قطعا لا يقتصر على المشاهير بأنواعهم، بل ينسحب أيضا على كل من كانت له مكانة أو وظيفة ولا يتقبل الطلوع على المعاش مثلا وإفساح الطريق للغير..

•••

رغبة فى التواجد الأزلى على الساحة وعلى لعب الدور نفسه دون تغيير أو تطوير، وألا يجتاحه إحساس بالدونية والتهميش وعدم الفائدة والعزلة، خصوصا فى مجتمعات تقاس فيها درجة الأهمية بالإنتاجية، وبالتالى حين يقل العمل أو ينعدم قد يشعر المرء أنه لا فائدة ترجى منه.

ويبدأ البعض فى الإنكار أو تزييف الحقائق بشكل تلقائى: ترفض مثلا هذه السيدة غير المتزوجة أن تبوح بأنها أصبحت على المعاش قبل عدة سنوات وتستمر فى الادعاء لأن درجتها الوظيفية هى أعز ما تملك، أو يروى آخر على مسامعنا صولاته وجولاته فى ميدان عمله وكأن هذه الأمور كانت بالأمس القريب، فى حين حدث ذلك فى القرن الماضى، وتعتقد أخرى أنها احتفظت بجاذبيتها كاملة وأن كل من يقابلها يقع تحت تأثيرها غير معترفة بأنه فى الواقع يعاكس قريبتها الشابة التى تجلس إلى جوارها.

مواقف مضحكة ــ مبكية تنم على حجم المعاناة، إصرار غريب على أن تظل الصورة كما هى بمنأى عن تفاعلات الزمن، إحساس مرير بالوحدة تخلفه بالضرورة الشهرة كما السلطة، وعندما تنسحب الأخيرتان تظل الوحدة والوحدة فقط، كما نلاحظ من خلال شخصيات الأديب الكولومبى الراحل جارسيا ماركيز عندما يصف الحكام الديكتاتوريين والساسة. إغراء السلطة أم سلطة الإغراء؟ نجم الكرة أو الغناء تماما كما نائب البرلمان والسياسى عرف حلاوة الوجود على القمة، وبشكل أو بآخر ينطلى الأمر على الموظف ومرءوسه.

•••

حب الحياة والصراع من أجل البقاء لا يتنافيان مع فكرة استيعاب المراحل المختلفة فى عمر الإنسان والثقة بالذات. الطفل الرضيع مهم رغم كونه لا يسدى صنيعا لأحد ولا يملك سجل انجازات. أما بطل فيلم «بيردمان» فقد حقق نجاحا مدويا بعد أن عرف كيف يغير المسار ويرسم لنفسه خطا جديدا على مسارح برودواى بعد أن أفل نجمه فى السينما وكاد أن يندثر أو يتحول إلى«فاسوخة».

بعد الكثير من الصراعات الداخلية، كانت لحظة الصدق مع النفس وتقبل الواقع حتى لو تدريجيا وحتى لو اقتضى ذلك بعضا من الوقت والجهد. لا ينبغى انتظار وقوع المغنى الشهير على المسرح أو نسيانه للكلمات أمام الجمهور، لا ينبغى أن نترك السياسى يهدم المعبد على رءوس الأشهاد لأنه من أهل الخبرة ويضرب عرض الحائط بفكرة تواصل الأجيال. لا ينبغى أن نظل أسرى صورة ولى زمانها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved