عندما تأتى السياسة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 22 مارس 2019 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

تميزت دولة ما بعد الثلاثين من يونيو 2013، بغياب التعامل السياسى فى كثير من الأوقات مع العديد من المشكلات والأزمات التى مرت بها البلاد، الأمر الذى منح تلك الأزمات، الفرصة لتكبر وتتضخم وتتعقد خيوطها إلى ان تصبح عصية على الحل، وربما مصدر من مصادر التوتر الدائم فى المجتمع.
فى الآونة الأخيرة، ظهرت مؤشرات ــ وإن بدت خجولة ــ على حضور السياسة فى التعامل مع بعض الملفات والأزمات التى فرضت نفسها على أرض الواقع، ونذكر فى هذا السياق واقعتين، الأولى حادث قطار محطة مصر، حيث قدم وزير النقل وقتها هشام عرفات استقالته، كنوع من تحمل المسئولية السياسية عن الحادث، رغم ان منظومة السكك الحديدية بشكل عام «خربة»، ولم توفر الحكومة للوزير المستقيل الدعم الكافى لتطويرها، مثلما تعهدت لخلفه كامل الوزير، بتوفير كل ما يحتاجه لحل مشكلات هذا القطاع الحيوى.
الواقعة الثانية التى حضرت فيها السياسة بقوة، تمثلت فى التوجيه الرئاسى للحكومة بسحب الاستشكال الذى قدمته على الحكم البات والنهائى الصادر من المحكمة الإدارية العليا، بشأن العلاوات الخاصة لأصحاب المعاشات، وعرض الأمر على الجمعية العمومية بمجلس الدولة لاستطلاع الرأى فى بيان التسوية وفقا لمنطوق الحكم. كذلك التوجيه لوزارة المالية برد إجمالى المديونية المستحقة لصناديق المعاشات طرف وزارة المالية وبنك الاستثمار القومى، من خلال إعداد تشريع خاص ينظم تلك الإجراءات على أن يبدأ تنفيذ التسوية اعتبارا من موازنة العام المالى الجديد 2019\2020.
لم يكن لائقا منذ البداية أن تضرب الحكومة عرض الحائط بأحكام القضاء الباتة والنهائية، وتغضب أصحاب المعاشات، وهم فئة كبيرة يقدر عددها بالملايين، ويواجهون أوضاعا معيشية سيئة، وذلك عبر الاعتداء على حقوقها المالية البسيطة بحجة «الوضع الاقتصادى الصعب» الذى تمر به البلاد، فى حين يرى الجميع أن هناك فئات أخرى فى المجتمع لا يتم التعامل معها على هذا النحو من «البخل والتقشف»!
أزمة كبيرة لم يكن لها داع، كانت تلوح فى الأفق ومعرضة للانفجار فى أى وقت، لكن عندما أتت السياسة للتعامل معها، تمكنت على الفور من نزع فتيلها بسهولة، وساهمت فى اخماد نار الغضب فى نفوس هذه الفئة التى تشكل «الظهير السياسى الحقيقى» للسلطة الحالية، ولم يتأثر «متخذ القرار» بحملات السخرية الرائجة على صفحات السوشيال ميديا وفى فضاء العالم الافتراضى، والتى وصفت تلك الخطوة المهمة بأنها «متأخرة للغاية»، واعتبرتها محاولة لتمرير التعديلات الدستورية التى يتم حاليا اجراء حوار مجتمعى بشأنها فى مجلس النواب.
الأمل يحذو الجميع بأن يمتد الخط على استقامته، وأن يتواصل حضور السياسة فى مختلف القضايا والملفات، مثل قضية التعديلات الدستورية الحالية، حيث ظهر للجميع ان جلسات الحوار المجتمعى التى يجريها مجلس النواب، اقتصرت فقط فى معظمها على المؤيدين والموالين للسلطة الحالية، ولم تضم ــ حتى الآن ــ صوتا واحدا من المعارضين.
رئيس مجلس النواب الدكتور على عبدالعال، قال فى أولى جلسات الاستماع الخاصة بالتعديلات الدستورية، إن هذه الجلسات «ستعتمد على الانفتاح والشفافية، واستطلاع جميع الآراء المؤيدة والمعارضة على مدى خمسة عشر يوما، بهدف تمكين النواب من تكوين قناعاتهم، والوصول إلى أفضل الصياغات الممكنة»، فهل يتحقق ذلك خلال الأيام المقبلة؟
ماذا سيضير مجلس النواب، لو فتح المجال لسماع أصوات مثل حمدين صباحى ونور فرحات وحسن نافعة وغيرهم ممن يعبرون عن قوى سياسية ترفض التعديلات؟. أليس هذا هو الشكل الديمقراطى اللائق الذى ينبغى ظهوره للعالم؟ هل هناك شك فى ان تلك التعديلات ستعرض فى النهاية على الشعب ليقول كلمته سواء بنعم أو لا؟. لماذا دائما نشوه بأيدينا الصورة التى نقدمها عن أنفسنا؟.
حضور السياسة مهم جدا للتعامل مع هذه القضية، لأنها ليست مجرد أزمة معيشية عابرة، أو مطالبات فئوية مشروعة، وإنما قضية تتعلق بمستقبل الوطن كله، ولابد من وجود أكبر قدر من التوافق عليها.. صحيح أنه لا يوجد اجماع على شىء فى هذا الكون، لكن الأوطان لا تبنى وتستقر بالموالاة فقط وإنما بالمعارضين أيضا، وفى النهاية سيكون الحكم لصناديق الاقتراع التى ستقول كلمتها الفاصلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved