دينى أم حضارى؟

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 22 مارس 2019 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

كتب برينتوت تارنت ــ جنسيته أسترالية، فى الثامنة والعشرين، هويته يمينى متطرف ــ على الإنترنت قبيل تنفيذه الهجوم على المسجدين: «إن الهجوم الذى سأقوم به على المسجدين إنما هو انتقام لمئات الآلاف من القتلى الذين سببهم الغزاة الأجانب فى الأراضى الأوروبية عبر التاريخ.. لاستعباد ملايين الأوروبيين من قبل المسلمين.. إننى أريد أن أظهر للغزاة أن أراضينا لن تكون أبدا أرضهم، وأن وطننا هو أمتنا. وإنه طالما بقى رجل أبيض على قيد الحياة، فلن يتمكنوا من غزو واستبدال شعبنا». بعد تنفيذ الهجوم أصدر السيناتور الأسترالى فريزر أنينج بيانا قال فيه: «أنا أعارض بشدة أى شكل من أشكال العنف داخل مجتمعنا، وأدين بشدة تصرفات الشاب المسلح والسبب الحقيقى لسفك الدماء فى شوارع نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذى سمح للمسلمين بالهجرة إلى نيوزيلندا فى المقام الأول، فلنكن واضحين فربما كان المسلمون هم الضحايا اليوم، وعادة ما يكونون هم الجناة».
***
السؤال هو: هل هو صراع دينى أم حضارى؟! لقد كنت معتقدا ومتيقنا أنه صراع دينى؛ لأنه فى كل حدث يذكر الدين الإسلامى والدين المسيحى، وترفع الشعارات الدينية عاليا، حتى جاء شهر مارس عام 2005 حيث نُشر فى جريدة الفجر المصرية صورا مسيئة للرسول قام بتنفيذها رسام دنماركى ونشرت صورة أخرى فى الأهرام مترجمة من الواشنطن بوست، ولم يغضب ولم يتحرك أحد، حتى شهر ديسمبر من العام نفسه وفجأة اندلعت مظاهرات فى سوريا والسودان، والسؤال أيضا لماذا هاتان الدولتان؟ وجاءت الإجابة لقد أصدر ميليتس تقريره عن التحقيق فى جريمة مصرع رفيق الحريرى وكان الضغط على سوريا واضحا وكان الاحتياج لحدث ضخم يبعد الأذهان عن الضغوط الدولية فتحركت المظاهرات بعنف فى سوريا وامتدت إلى لبنان والمشكلة فى السودان كانت قضية دارفور، إذن لم تكن هذه المظاهرات غيرة على الدين أو الرسول فالمظاهرات فى بلادنا لا تخرج بإرادة شعبية لمطالب شعبية لكنها تخرج بإرادات أخرى.
كان لخروج هذه المظاهرات بعد ستة أشهر وقع الصدمة على نفوس السياسيين المثقفين فى الدنمارك وفى معظم الدول الأوروبية خاصة أن رد الفعل كان أكبر وأكثر من المتوقع وكان التدخل، ويالسخرية القدر بعد ستة أشهر ليس من الدبلوماسيين والسياسيين لكن من الشعوب التى استهدفت السفارات التى لا علاقة لها بالموضوع. وقد طُرحت هذه التساؤلات من المسئولين فى الدنمارك على المسئولين فى الدول العربية ولم تكن الإجابات مقنعة كفاية. من هنا قامت وزارة الخارجية الدنماركية من خلال إحدى المنظمات الاجتماعية بدعوة ثلاثة مصريين للاستماع لوجهة نظر الدنمارك فى هذا الأمر، وكنت واحدا من الفريق المدعو مع صلاح عيسى الصحفى المعروف وبهى الدين حسن رئيس مركز القاهرة لحقوق الإنسان وقد رُتبت لنا لقاءات فى كوبنهاجن مع الصحيفة والرسام وقيادات الكنيسة والمركز الإسلامى. حتى هذه اللحظة كنت مقتنعا تماما أن الصراع ديني، وأن هناك خوفا من وصول المسلمين للحكم فى هذه البلاد وتغيير هويتها، بدأ هذا الفريق بزيارة الصحيفة والجلوس مع الفنان الذى رسم الصورة المسيئة للرسول، واكتشفنا أن الصحيفة لم تكن مغمورة كما أشيع فى صحافة الدول العربية والتغطية الإعلامية وأيضا الرسام كان من المشاهير، وليس المغمورين، وأن الجريدة هى الجريدة الرسمية لدولة الدنمارك، وقد نفى الرسام ورئيس التحرير أن الجريدة اعتذرت عن الرسوم كما أشيع فى الدول العربية والإسلامية، وأعطونا صورة من الاعتذار وملخصه «إن ما حدث من ردود أفعال عنيفة على الرسومات يعود إلى سوء فهم مبنى على اختلاف الثقافات وهم يؤكدون على عدم تفضيلهم لثقافة عن الأخرى»، هذا فى الوقت الذى قُدمت فيه الصور فى الدول الإسلامية على أنها حملة شرسة ضد المسلمين فى الدنمارك والعالم أجمع وهذه الفكرة يرفضونها.. لأنهم يؤمنون بحرية الفرد فى ممارسة شعائره الدينية وليس لديهم مشكلة مع الإسلام، وينتهى البيان بتمنى التعايش السلمى بين الشعوب وأن تسود روح الحوار حتى لو اختلفت الآراء. عندما سألنا الرسام إذن لماذا رسمت هذه الصور؟ ولماذا نشرتها المجلة؟ قالوا إنها قصة طويلة بدايتها أن الجريدة فكرت فى إخراج كتاب للأطفال يتحدث عن رسول الإسلام، وأرسلنا إلى 42 رساما إلا أن الذين وافقوا على هذه المهمة أربعة فقط وطلبوا منا عدم ذكر أسمائهم، وعندما سألناهم لماذا؟ كانت إجابتهم الخوف من الإرهابيين.. ذلك لأن الإسلام يرفض من الأساس تصوير النبى بأى صورة من الصور حتى لو كانت صورا إيجابية، ولذلك أجلوا الأمر إلا أنه وقعت أربعة أحداث متتالية:
أولا: ظهرت كاتبة مسلمة من أصل صومالى تعيش فى هولندا تدعى «أيان حرسى على» قامت بتأليف كتاب عن الرسول، إلا أن المترجمين للكتاب رفضوا إعلان أسمائهم على الكتاب خوفا ورعبا.
ثانيا: قام أحد المثالين الإنجليز بتكوين تمثال عبارة عن قطع ورقية عليها آيات من العهد القديم الذى يؤمن به اليهود وثانية من العهد الجديد الذى يؤمن به المسيحيون وأخيرة من الآيات القرآنية التى يؤمن بها المسلمون وهذه القطع ممزقة وغير مكتملة وموضوعه فى إطار زجاجى ومكتوب عليها بخط كبير «الله أكبر» وقام بعرض هذا التمثال فى أحد أكبر المتاحف فى بريطانيا، لكن مدير المتحف قام بإزالة هذا التمثال ودون أن يسأل حتى الشرطة.
ثالثا: وفى السويد قام أحد الفنانين المسلمين برسم جدارية فى أحد المتاحف تحتوى على مناظر جنسية وفى قمة اللوحة جزء مقتطف من آية قرآنية. وقد قام المسئول عن المتحف بإزالة الصورة كما أزيل التمثال من لندن خوفا من المسلمين.
رابعا: قام أحد المغاربة بقتل مخرج هولندى يدعى ثيو فان جوخ لأنه أخرج فيلما تسجيليا أُعتبر إهانة للرسول والإسلام.
ثم أردفوا بالقول وهكذا قررنا المواجهة للدفاع عن علمانيتنا وحريتنا فأصدرنا الصور المسيئة.
***
قالوا لنا أيضا اذهبوا للكنيسة ستجدونها فارغة من العابدين فمعظم الأوروبيين علمانيون والكنيسة مؤسسة اجتماعية تحتضن المهاجرين وترعاهم كرسالة منها لكن الكنيسة لا دور سياسيا لها فى كل أوروبا وبالفعل زرنا الكنيسة ورأيناها هكذا، ثم زرنا المركز الإسلامى وتقابلنا مع الشيخ أحمد أبولبن وهو فلسطينى وتحدث بحماس أن الدنمارك احتضنته وهو لاجئ فقير مع زوجته وأولاده وقاموا بتعليم أولاده وهكذا تثقفوا بالثقافة الأوروبية حتى إنهم لا يتحدثون العربية وعندما سأله صلاح عيسى عن رؤيته قال: أسلمة الدنمارك.
قال لنا الدنماركيون إننا لا ندافع عن المسيحية ولا نهاجم الإسلام، إننا أحفاد من قاموا بثورة الإصلاح الدينى عام 1517 ضد سيطرة الكنيسة ونفوذها السياسى، وقد بذل أجدادنا دماءهم من أجل الحرية والعدالة والعلمانية، وموقفنا هذا ليس ضد الإسلام فقط لكن ضد أى دين آخر يحاول أن يسلب علمانيتنا. إننا نحمى الحرية التى حصلنا عليها ونحن نرفض أن نخرج من تحت نير الدين المسيحى لنقع تحت نير الدين الإسلامى أو خلافه، نحن نتبنى حضارة حديثة ديمقراطية حرة وعلى استعداد أن نبذل دماءنا لحماية وطننا وعلمانيتنا.
إنه من الغباء الشديد القول إنه صراع دينى، فهذا الفكر يُصدِره حكام الدول العربية والإسلامية ليفرغوا طاقة شعوبهم فى قضية وهمية فلا يلتفتون لقضايا الحرية والديمقراطية والمساواة والعلمانية السياسية، باختصار شديد أقول: «إن الشعوب الأوروبية ليس الدين فى (دماغها) ونحن كل (دماغنا) دين ومن هنا لا نلتقى».

أستاذ مقارنة الأديان

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved