أردوغان والغرب.. المصالح أولا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 22 أبريل 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

المعلق الإسرائيلى البارز فى صحيفة هاآرتس تسفى بارئيل قال يوم الأربعاء الماضى، إن انتقادات أوروبا للتعديلات الدستورية الواسعة التى نجح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى تمريرها، لزيادة صلاحياته هى نفاق واضح.
ورأيه أن أوروبا لا تفعل ذلك من أجل الديمقراطية، بل خوفا من توجهات أردوغان الإسلامية، مؤكدا أن المعارضة فى تركيا ضعيفة، وعجزت عن تقديم مرشح ينافس أردوغان.
الجدل حول تركيا وأردوغان والعلاقة مع أوروبا سيستمر طويلا، فالطرفان وصلا إلى مرحلة من العداء الصريح، بل وتبادل الشتائم، خصوصا بعد أن منعت بلدان أوروبية عدة وزراء ومسئولين أتراكا من جولات دعاية مع الجاليات التركية فى أوروبا، لحضها على التصويت بنعم فى الاستفتاء على تعديلات الدستور، التى تم تمريرها بنسبة ٥١.٤٪ فقط.
أردوغان بدأ يستخدم تعبيرات مثل النازية والفاشية فى وصف بعض الدول الاوروبية، والأخيرة لم تعد تتردد فى وصف أردوغان بالديكتاتور المستبد الذى يريد أن يتحول إلى سلطان أو إمبراطور.
لكن وبعد أن تم تمرير التعديلات ــ حتى لو كانت بنسبة بسيطة ــ فإن السؤال هو: إلى أين يتجه أردوغان بتركيا خصوصا فى علاقته بأوروبا؟
التقديرات فى هذا الصدد متفاوتة، لكن بعضها يجمع على أن شهور العسل بينهما التى بدأت منذ مطلع الألفية حتى انقلاب منتصف يوليو ٢٠١٦، لن تعد كما كانت أبدا، خصوصا أن تلميحات كثيرة فى حزب العدالة والتنمية تقول إن أوروبا، ربما كانت تعلم بالانقلاب وصمتت عليه أو دعمته، فى حين ترد أوروبا وتقول إن ما حدث هو مشهد تليفزيونى مصنوع. أو علم به أردوغان وتركه يمر بهذه الطريقة كى يتخلص من كل خصومه.
عموما، كل ما سبق لن يستمر فى صدارة الصورة فالسياسة لا تعرف الشعارات الجامدة، وهناك مصالح كبرى بين تركيا وأوروبا، وبالتالى سوف يسعى الطرفان قدر المستطاع للبحث عن صيغة للتعايش المشترك فى انتظار حدوث تغير دراماتيكى.
أوروبا تعرف قيمة تركيا الاستراتيجية، وموقعها المحورى فى قلب الصراعات العالمية، فهى البوابة الرئيسية للغرب التى تشرف على العراق وسوريا وإيران وروسيا، وكلها مواقع صراع كبرى تؤثر فى العالم، ناهيك عن ملاصقتها لمنابع البترول الأكبر عالميا.
مع انتشار الإرهاب، والحروب الاهلية فى سوريا والعراق، فإن تركيا كانت البوابة الكبرى أيضا التى ينطلق منها المهاجرون قاصدين أوروبا، التى اتفقت مع تركيا على وقف الهجرة مقابل دعم مادى وتسهيلات بشأن اتفاقية شينجين، لكن أردوغان يهدد الآن بفتح شلالات الهجرة لإغراق أوروبا إذا لم تغير سياستها تجاهه.
وعندما شعر أردوغان بالتململ، الأوروبى استدار بسرعة متجها إلى روسيا، وجلس مع الإيرانيين مطولا وقال بوضوح هو وأركان حكمه إن الأسد قد لا يكون هو المشكلة.
فى رأى البعض، فإن أردوغان الباحث عن السلطنة أو الإمبراطورية أو الخلافة، شخص برجماتى، سيفعل أى شىء من أجل مصالحه أو أحلامه.
وبالتالى فإن أردوغان الذى جلس مع الروس والإيرانيين، قد يتخلى عن ورقة الإخوان فى أى لحظة إذا شعر أنها صارت عبئا عليه، لكنه سيظل محتفظا بها، طالما أنها تحقق له بعض المكاسب، حتى لو كانت معنوية.
هو لا يستطيع أن يبتعد عن أوروبا اقتصاديا لأنها الرئة التى يتنفس بها، هو أدرك أن دخول بلاده الاتحاد الأوروبى صار حلما مستحيلا، لكنه يطمع فى صيغة الاتحاد الجمركى.
لن يدخل «الفضاء المسيحى»، لكنه يريد دخول بضائعه وصادراته وتسهيلات لمواطنيه فى اتفاقية الشينجين.
المتغير الرئيسى بعد تمرير التعديلات ليس فقط كيفية تطبيقها على الأرض، بل هو الموقف الأمريكى فى ظل سياسات دونالد ترامب التى لا يمكن لأحد أن يتنبأ بها.
إذا تطابقت مواقف أردوغان مع ترامب، بعد اللقاء المرتقب بينهما فى مايو المقبل ــ فإن معظم أوروبا سوف تبتلع كرامتها وتتعامل مع أردوغان وكأن شيئا لم يكن.
المبدأ هو المصالح ثم المصالح ثم المصالح، وما هى الأوراق التى تمتلكها أو التى يمكن أن تمتلكها أما الطريقة «الشخصانية» التى نفكر بها نحن معظم العرب، فقد سببت لنا مشاكل كثيرة، وإذا استمرت فسوف تسبب مشاكل أكبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved